وذلك أن جمهور الروايات جاءت بأنه - عليه السلام - قبض وله خمس وستون سنة، وجاء في بعضها أن سنه كانت عند وفاته ثلاثا وستين سنة، فأما ما سوى هاتين الروايتين فشاذ مطروح لا يعرف في صحيح النقل ولا يقبله أحد من أهل الرواية والعقل، وقد علمنا أن أمير المؤمنين - عليه السلام - صحب رسول الله (ص) ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة قبل الهجرة وعشر بعدها وعاش بعده ثلاثين سنة، وكانت وفاته في سنة أربعين من الهجرة، فإذا حكمنا في سنه على خمس وستين بما تواترت به الأخبار، كانت سنه عند مبعث النبي (ص) اثنتي عشرة سنة وإن حكمنا على ثلاث وستين كانت سنه عند المبعث عشر سنين، فكيف يخرج من هذا الحساب أن يكون سنه عند المبعث سبع سنين؟
اللهم إلا أن يقول قائل إن سنه كانت عند وفاته ستين سنة فيصح له ذلك إلا أنه يكون دافعا للمتواتر من الأخبار منكرا للمشهور من الآثار معتمدا على الشاذ من الروايات، ومن صار إلى ذلك كان الأولى بمناظرته البيان له عن وجه الكلام في الأخبار والتوقيف على طريق الفاسد من الصحيح فيها دون المجازفة في المقالة.
وكيف يمكن عاقل سمع الأخبار أو نظر في شئ من الآثار أن يدعي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - توفي وله ستون سنة، مع قوله - عليه السلام - الشايع عنه الذايع في الخاص والعام عندما بلغه من إرجاف أعدائه في التدبير والرأي: " بلغني أن قوما يقولون أن علي بن أبي طالب شجاع لكن لا بصيرة له بالحرب لله أبوهم وهل فيهم أحد أبصر بها مني لقد قمت فيها وما بلغت العشرين وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع " فخبر - عليه السلام - بأنه قد ذرف على الستين في وقت عاش بعده دهرا طويلا وذلك في أيام صفين.