محض الهذيان.
على أنه إذا تأمل متأمل قصة المخدج عرف أن أمره كان بعهد من رسول الله (ص)، وذلك أن هذا المخدج لم يكن معروفا عند أصحاب أمير المؤمنين - عليه السلام - ولا مشهورا، ولا علموا أنه كان في الخوارج فنجا أو قتل، ولا سمعوا له خبرا فأنبأهم أمير المؤمنين - عليه السلام - بصفته قبل الوقعة وخبرهم بقتله ومآله، والدليل على ذلك أنه لو كان الرجل معروفا عند القوم وكان قتله معلوما لهم لما كان لاستدلال أمير المؤمنين بالخبر عنه على باطلهم وحقه معنى يعقل وإنما جعل خبره معجزا وبرهانا له على صوابه.
فلما انكشف الحرب أمر بطلبه في القتلى فلم يوجد وشك الناس في خبره فقلق - عليه السلام - لذلك وجعل ينظر إلى السماء تارة يناجي ربه في بيان الأمر وإزالة الغمة عن الخلق، وينظر إلى الأرض أخرى مفكرا في أصحابه خائفا عليهم الضلال عند استبطائهم وجوده، فوفق الله الكشف عنه فركب أمير المؤمنين - عليه السلام - بغلة رسول الله (ص) حتى أتى جمعا من القتلى فقال: اكشفوا بعضهم عن بعض فكشفوهم فوجدوا رجلا أسود بادنا له ثديان كثدي المرأة عليها شعرات إذا مدت جذبت يده وإذا أرسلت ردت يده، فكبر - عليه السلام - عند ذلك ذال الريب عن أصحابه، فكيف يكون الخبر عما وصفناه حدسا وترجيما، بل كيف تكون هذه المنقبة الجليلة مثلبة وهذه الفضيلة العظيمة رذيلة لولا أن الله سبحانه قد أعمى قلب عمرو بن عبيد والنظام والحاكي عنه وأصحابهما المعتقدين لفضلهما والله نسأل توفيقا برحمته.