شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٢٧٠
(خلق الله الناس على ثلاث طبقات) (1) الخلق بمعنى الإيجاد أو التقدير ووجه الحصر أن الناس إما كافر أو مؤمن، والمؤمن إما أن يكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة أو لم تكن، والأول أصحاب المشأمة، والأخير أصحاب الميمنة، والثاني السابقون، ويفهم منه أن غير المؤمن من أهل الاسلام داخلون في أصحاب المشأمة، وقد مر نظير هذا الحديث في كتاب الحجة في باب ذكر الأرواح التي في الأئمة (عليهم السلام)، وذكرنا شرحه مفصلا فلا نعيده ولا نتعرض إلا بعض ما ينبغي التعرض له (فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم) ذنوبهم عبارة عن خلاف الأولى (وهم المؤمنون حقا) هم الذين حققوا إيمانهم بيقين أو اتصفوا بمقتضاه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة.
(ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أي أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة (2) قاله في

1 - قوله «خلق الله الناس على ثلاث طبقات» حديث شريف مشتمل على معان دقيقة وانما لم يتعرض لشرحها كثيرا لأن معناه سبق في حديث أورد في كتاب الحجة (الصفحة 60 وما بعدها من الجزء السادس) وذكر الشارح فيه ما ينبغي أن يذكره وغني عن الإعادة. (ش).
2 - قوله «أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة» إن قيل: لا يزال العلماء يحتجون على بقاء النفس الناطقة بعد فناء البدن ببقاء العقل مع ضعف آلات الإحساس وهو من مبادئ علم الأخلاق وهذا الكلام ينافيه. قلنا:
أشرنا فيما مر إلى ما فيه كفاية لدفع الشبهة ونزيد توضيحا وبيانا: أن كل قوة تتوقف على وجود البدن وآلاته تفنى بخراب البدن وفساده وكل قوة لا تتوقف عليه لا تفنى كما قلنا في قوة الإبصار فإنا نعلم أنها قوة جسمانية متوقفة على عين صحيحة فإذا فسد مزاج العين بطل الإبصار ولكن الذي كان أكثر عمره بصيرا ورأى أشياء كثيرة واختزنت في ذهنه، ثم عمي آخر عمره لم تزل عن ذهنه ما كان رآه سابقا فنعلم بذلك أن حفظ ما رآه ليس متوقفا على العين ولا تفنى بفساد العين بخلاف الإبصار فإنه لا يستطيع أن يجدد إبصارا، وهكذا نقول في جميع ما يحصل من الحواس ويجتمع عند النفس طول عمر الإنسان لا يجب أن يبطل بزوال الحواس فلا تزول المسموعات وما ترتب عليها من العلوم المكتسبة إذا فسد الإذن وصار صاحبها أصم، فاحدس من هذا أن ما اختزنت من العلوم للإنسان لا تزول بزوال حواسه جميعا إذ لا يحتاج بقاؤها إلى الحواس وانما يحتاج في حدوثها فقط.
فبقي احتمال واحد وهو أن يكون اختزان العلوم المكتسبة في جسم غير الآلات الحسية الظاهرة كالدماغ مثلا وهو احتمال مردود بأن كل عضو من أعضاء البدن له قوة وقدرة على فعل فإنما يصدر عنه فعل بعد فعل متدرجا ولا يجتمع الجميع فيه دفعة واحدة فلا تستطيع الإذن أن تسمع آلافا من الأصوات دفعة واحدة بل يؤثر فيها صوت فتسمعه وينتفي أثره فلا تسمعه، ويؤثر فيها بعد ذلك صوت آخر فتسمعه بعد الأول، وهكذا الإبصار بل الفكر الذي هو جسماني في الدماغ لا يستطيع أن يتفكر في مسألة لاحقة إلا بعد أن يعرض عن مسألة سابقة ولا يقدر أن يفكر دفعة واحدة في مسألة رياضية وإلهية معا. والذاكرة أيضا جسمانية لا تقدر أن تتفحص عن شعر وآية وعبارة ومسألة دفعة واحدة، وهذا يدل على أن الدماغ أيضا لا يقدر إلا على فعل بعد فعل تدريجا. وأما العلماء بعد أن بلغوا خمسا وسبعين سنة بل وأكثر وضعفت قواهم الجسمانية جميعا فهم ذوو ملكة علمية جامعة للمسائل الكثيرة الحاصلة لهم طول عمرهم يرجعونها من عند أنفسهم من غير علم جديد وليسوا مساوين لأنفسهم حال صغرهم قبل البلوغ والتعلم قطعا وحينئذ فنسأل عن ملاك الفرق بين الحالتين المتمايزتين: حالة الصغر قبل التعلم وحالة الكبر بعد الحنكة، فإن قيل لا فرق; قلنا هذا باطل بالحس. وإن قيل بينهما فرق بشيء موجود في دماغ الشيخ الكبير دون الطفل الصغير. قلنا هذا أيضا باطل غير معقول لأنا نعلم أن العلوم الكثيرة التي اجتمعت للعلماء والحكماء لا يمكن أن تكون آثارا جسمانية نظير الخطوط والنقوش والألوان مجتمعة حاصلة في دماغ إذ يبطل كل أثر منها الأثر الآخر، والجسم لا يقوى إلا على فعل واحد في آن واحد وعلى أفعال كثيرة متدرجة في أزمنة متعاقبة لا في زمان واحد فبقي أن يكون حامل تلك العلوم موجودا غير جسماني غير محتاج في وجوده إلى البدن ولا يضمحل بفساده ونحن نعترف بأن الدماغ آلة للفكر أعني لتحصيل المعقولات لا لتعقلها وحفظها كما أن البصر آلة لتحصيل المبصرات لا لحفظها وتجريدها (راجع الصفحة 226 من هذا الجزء). (ش).
(٢٧٠)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430