قال: قال الله عز وجل: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) ثم قال: في جماعتهم (وأيدهم بروح منه) يقول: أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم، جعل الله فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟
فقال: أما أولادهن فهو كما قال الله عز وجل: (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل عمره فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضره شيئا، ومنهم من ينتقص منه روح القوة فلا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ولم يقم وتبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا الحال خير لأن الله عز وجل هو الفاعل به وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة ويزين له روح الشهوة ويقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها نقص من الإيمان وتفصى منه فليس يعود فيه حتى يتوب، فإذا تاب تاب الله عليه وإن عاد أدخله الله نار جهنم، فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عز وجل: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) يعرفون محمد والولاية في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك) إنك الرسول إليهم (فلا تكونن من الممترين) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [الله] بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن، ثم أضافهم إلى الأنعام، فقال: (إن هم إلا كالأنعام) لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن، فقال [له] السائل أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين.
* الشرح:
قوله (وقد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه) اليسير في مقابل الكثير لا في مقابل الحقير فلا ينافي عظمة الذنوب المذكورة.