كل شيء) (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون) و (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). وتقييد المغفرة بالتوبة في قوله تعالى (وإني لغفار لمن تاب) لا ينافي ثبوتها بلا توبة ولا يوجب تقييد الآيات والروايات المطلقة بها إذ لا قصور في الرحمة حتى لا يتحقق بدونها، على أن من تاب فقد خرج من الذنوب فلو قصرت المغفرة على التائب تعطل معنى الآيات والروايات وذهبت فائدة الرحمة وسعتها فلابد من أن لا ييأس العاصي وأن يكون بين الخوف والرجاء بل يكون طمعه بالرجاء أوثق وقلبه بشمول العناية أعلق كما قيل وبالجملة وجب على العاصي أن يتوب ويرجع وإن لم يتب وجب عليه أن لا يقنط لئلا يزيد على كبيرة كبيرة أخرى.
إذا كثرت منك الذنوب فداوها * برفع يد في الليل والليل مظلم ولا تيأسن من رحمة الله إنما * قنوطك منها من ذنوبك أعظم (ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الاسلام) قد شاع عند أهل البيت (عليهم السلام) اطلاق الإيمان على الإيمان الذي لا كرب معه ولا عقوبة بعد الدنيا وهو الإيمان الكامل وإطلاق الاسلام على ما دونه وهو يجامع أصل الإيمان فهذا العاصي يخرج من كمال الإيمان ولا يخرج من أصله فتدركه الرحمة أو الشفاعة إن شاء الله، والله أعلم.
11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان؟ قال: هو قوله: (وأيدهم بروح منه) ذلك الذي يفارقه.
* الشرح:
قوله (قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان؟ قال:
هو قوله: (وأيدهم بروح منه) ذلك الذي يفارقه) أصل الإيمان وهو التصديق بالربوبية والرسالة والولاية حق وله حقيقة وهي موافقة الظاهر والباطن في التعلق بما ينبغي وإليه يشير قوله (صلى الله عليه وآله) «فما حقيقة ايمانكم» مخاطبا لقوم قالوا «نحن مؤمنون» وقوله لحارثة - حين سأله عن حاله فقال مؤمن حقا -: «إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟» وقوله «إن لكل يقين حقيقة» وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إن على كل حق حقيقة» وهذا جار بعمومه فإن كل عبادة مثل الصلاة والصوم والحج وغيرها حق وله حقيقة وكل خلق من الأخلاق الحسنة حق وله حقيقة هو أولها وهي غايته وهو ظاهرها وهي كماله وبطانته كالتوكل والتقوى مثلا فإن التوكل حق بضرورة عقد الإيمان مع التعلق بالأسباب وحقيقته ينتهي إليها الخاص بقطع الأسباب وسكون قلبه إلى مسبب الأسباب، والتقوى