لإكرامه برفع الدرجة التي لا يبلغها الإنسان قط بكسبه، لأنه ممنوع من ايلام نفسه شرعا وطبعا فإذا سلط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة لا يبلغها المؤمن قط بقتل نفسه، وانما يبلغها بقتل العدو له في الله فيكرم الله عليه بدرجة الشهادة على يد غيره.
ومنها لتشديد عقوبة العدو في الآخرة فإنه يوجب سرور المؤمنين به. والغرض من هذا الحديث وأمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل أنواع النوائب والأذى بالصبر والرضا بقضاء الله، وبالله الاستعانة والتوفيق.
4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أربع لا يخلو منهن المؤمن أو واحدة منهن، مؤمن يحسده وهو أشدهن عليه، ومنافق يقفو أثره أو عدو يجاهده، أو شيطان يغويه.
* الشرح:
قوله (مؤمن يحسده وهو أشدهن) لأن صدور الشر من القريب المجانس أشد وأعظم من صدوره من البعيد المخالف، لتوقع الخير من الأول دون الثاني.
5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عمار بن مروإن، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل جعل وليه في الدنيا غرضا لعدوه.
6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فشكا إليه رجل الحاجة، فقال له: اصبر فان الله سيجعل لك فرجا، قال: ثم سكت ساعة، ثم أقبل على الرجل فقال: أخبرني، عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال:
- أصلحك الله - ضيق منتن وأهله بأسو ء حال، قال: فإنما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة، أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن.
* الشرح:
قوله (اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا) دلت الفاء على أن الفرج مترتب على الصبر كما اشتهر «الصبر مفتاح الفرج» وكما قيل: «من صبر ظفر فاصبر تظفر» ثم قال تسلية له في تحمل المشاق والبليات رجاء لما بعد الدنيا من الخيرات:
(أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن) قد ورد من طرق الخاصة والعامة «أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» يعنى أن المؤمن في الدنيا ممنوع من الشهوات المحرمة ومكلف بالأعمال والأخلاق الشاقة، وممتحن بالبلايا والرياضات التامة، فإذا مات استراح من جميع ذلك وانقلب إلى ما أعد الله له من النعيم المقيم، وأما الكافر فإنما له الدنيا حسب، وإذا مات انقلب إلى ما أعد الله له من العذاب الجحيم، فالدنيا جنة له وإن كان ذا مشقة فيها.