حكى عنه الكتاب الكريم (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) وهو كناية عن جذبهم من طريق الحق إلى الطريق الباطل.
(أو كافر يرى جهاده) لازما فيجاهده ويضره من كل وجه يمكنه (فما بقاء المؤمن بعد هذا) ولهذا قل أهل الايمان. والمقصود من الحديث أن المؤمن لا يكون إلا ومعه هذه البلايا كلها أو بعضها، فلا ينافي الترديد الدال على منع الخلو، وأيسرها صفة لبلايا أربع وفيه إشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشد منها، وفي بعض النسخ: «أشدها» بدل «أيسرها» فيفيد أن هذه الأربع أشد بلاياه. وقوله «مؤمن» خبر مبتدأ محذوف أي هي مؤمن، وربما يزعم أن «أيسرها» مبتدأ و «مؤمن» خبره، وأن أشدها أولى من أيسرها لئلا ينافي قوله (عليه السلام) فيما بعد: ومؤمن يحسده وهو أشدهم عليه، وفيه أن أيسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا يتم ما ذكر، وكون هذه الأربع أيسر من غيرها لا ينافي أن يكون بعضها أشد من بعضها ولو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون المؤمن الحاسد أشد من المنافق وما بعده، وهو مناف لما يأتي، فليتأمل.
3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاثة عليه، إما بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله عز وجل شيطانا يؤذيه، ويجعل الله له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد.
* الشرح:
قوله (ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاثة عليه إما بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه) أفلت إفلاتا إذا تخلص وأفلته إذا خلصه لازم ومتعد، وهنا لازم، ومن لطف الله بعباده أنه إذا أحب عبدا صب عليه البلاء صبا، ومن جملته أن يسلط عليه بعضا من شرار خلقه يؤذيه، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت الدرجات والمقامات كما يرشد إليه إيذاء الأمة للأنبياء والأوصياء والأولياء من لدن آدم (عليه السلام) إلى الآن، وقوله (صلى الله عليه وآله) «ما أوذى أحد في الله ما أوذيت» وقد ذكروا لذلك وجوها من الحكمة منها أنه لكفارة ذنوبه، ومنها أنه لاختبار صبره وإدراجه في الصابرين، ومنها أنه لتزهيده في الدنيا وتبريدها في قلبه لئلا يفتتن بها ولا يطمئن إليها فلا يشق عليه الخروج منها، ومنها لإضعاف نفسه عن الصفات البشرية والقطع عنها مواد العلائق الجسمانية لينقطع علاقته بدنياه ويرجع بكله إلى مولاه ويألف الإقبال عليه في السراء ويستديم المثول بين يديه في الضراء إلى أن يرتقى بذلك إلى أعلى درجة الأحباب والأولياء. ومنها لتنفيره بذلك عن مصاحبتهم، وايحاشه منهم بواسطة أذيتهم ليؤنسه بحضرة ربوبيته ويقتطعه إليه عن بريته، ومنها