الصراط المستقيم، يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له، يا فضيل ابن يسار لو عدلت الدنيا عند الله عز وجل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء، يا فضيل ابن ياسر إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه، ومن كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك.
* الشرح:
قوله (في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه) أي مرض بها وكأنها للنوع وأن المراد أنه نحف جميع أعضائه وهزلت حتى كأنه لم يبق منه شيء إلا رأسه فإنه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا. أو المراد أنه لم يبق قوة في الحركات في شيء من أعضائه إلا في رأسه (فقال يا فضيل إنني كثيرا ما أقول: ما على رجل عرفه الله هذا الأمر) أي ما وحشة عليه أو ما ضرر عليه من قول الناس له بأنه مجنون ونحوه.
(يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له) لأن الله تعالى عالم بسرائر العباد وأحوالهم ويفعل ما هو الأصلح بحال كل واحد منهم فمنهم من يصلح له الغنى ويفسده الفقر ويشقيه ويورده في المهالك فيفنيه، ومنهم على عكس ذلك فيفقره وهكذا في الأحوال المتقابلة مثل الصحة والسقم ونحوهما. وأكد ذلك بقوله: (يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له) وفيه حث على الصبر في جميع الأحوال بعد الإيمان ونوع من الشكر لما أصابه (عليه السلام)، ثم حذر الأغنياء عن الفخر ورغب الفقراء في الصبر بقوله:
(يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند الله عز وجل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء) أي ليس لجملة الدنيا وما ينتفع به فيها قدر ولا وزن كقدر جناح بعوضة عندكم، ولهذا أقطعها الأعداء وأولاها الأشقياء ومتع بها الجهلاء، ولو كان لها قدر عنده لم يعطهم منها شربة ماء. ألا ترى الجنة لما جعل لها قدرا عنده كيف ولاها الأولياء وحرمها الأشقياء فلم يعطهم منها طعاما ولا شربة ماء فينادون من عطشهم وجوعهم أهل الجنة (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) ويدل على هوان قدر الدنيا روايات غير محصورة وآيات غير معدودة. ومنها قوله تعالى (ولولا أن يكون الناس أمه واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم