سواهم فإن ادعوا الايمان ظاهرا فإن غير المؤمن الكامل لا يخلو من كفر ما، ثم بين وجه ايمانهم مع اتصافهم بالكفر بأن الله تعالى صيرهم أنسا للمؤمنين الكاملين وأما كثرتهم فهو لغرورهم بالدنيا ووغولهم فيها والدنيا تخدع أكثر من فيها، والغرض من هذا الحديث بيان قلة أهل الايمان والحمل على الصبر عليها وعدم الاستيحاش من الوحدة كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعتها قصيرة وجوعها طويل».
قال بعض الأفاضل: لما كانت العادة أن يستوحش الناس من الوحدة وقلة الرفيق في طريق طويل صعب، نهى (عليه السلام) عن الاستيحاش في تلك الطريق وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم ليسوا على حق لقلتهم وكثرة مخالفيهم لأن قلة العدد في الطريق مظنة الهلاك والسلامة مع الكثرة فنبههم على أنهم في طريق الهدى وإن كانوا قليلين، ثم نبه على قلة عدد أهل طريق الهدى وهي اجتماع الناس على الدنيا فقال «فإن الناس - إلى آخره» واستعار للدنيا المائدة بملاحظة تشبيهها في كونها مجتمع اللذات، وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعتها عن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الآخرة بطول جوعها، ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية وهو بسبب الغفلة في الدنيا فلذلك نسب الجوع إليها.
وفي قوله (عليه السلام): (صيروا انسا للمؤمنين يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه) دلالة على أن القلب يضيق بحفظ السر فإذا أظهره استراح منه فلذلك جعل بعض الناس من أهل الايمان الناقص ليظهر المؤمن الكامل سره لهم ويستريح من ضيق صدره.
6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن اورمة، عن النضر، عن يحيى بن أبي خالد القماط، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟
فقال: ألا احدثك بأعجب من ذلك: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثا قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار؟ قال: رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا، فقلت: في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات.
* الشرح:
قوله (ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثا) وجه