الثالث: أن معناه ما رددت الإعلال والإمراض والبر واللطف والرفق حتى يرى بالبر عطفي وكرمي فيميل إلى لقائي طمعا، وبالبلاء والعلل فيتبرم بالدنيا ولا يكره الخروج منها، والله أعلم بحقيقة كلامه.
وما دل هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافي ما دل عليه الروايات المتكثرة من أن المؤمن يحب لقاء الله ولا يكرهه إما لما ذكره الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب فإنه ليس شيء حينئذ أحب إليه من الموت ولقاء الله، أو لأنه يكره الموت من حيث التألم به لا لقاء الله وهما متغايران وكراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له، واللازم لا ينافي الملزوم.
(ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد) أنسه بالله وبالإيمان به من أجل الإيمان ولوازمه موجب لعدم الوحشة بالكلية إذ تحقق أحد الضدين يوجب رفع الآخر، وإذا كان كذلك فلا يستوحش منه إلى أحد إذ ليس له طبع مستوحش.