شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ١٩٤
الثاني: أنه لما جرت العادة بأن يتردد (1) الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد وتأمل، صح أن يعبر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد وعن إذلاله واحتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر ولا حرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.
الثالث: أنه ورد من طرق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار فيقل تأذيه به ويصير راضيا بنزوله وراغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسيمة والراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول; فيكون الكلام من الاستعارة التمثيلية.
وأما وجوهه عند العامة فأيضا ثلاثة:
الأول: أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه فإنه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت فأنا ألطفه وأبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعهد ولي من أوليائه «عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: كيف تمرض وأنت رب العالمين، فيقول: مرض عبدي فلان فلم تعده ولو عدته لوجدتني عنده» فكما أضاف مرض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده وتنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.
الثاني: أن «ترددت» في اللغة بمعنى «رددت» مثل قولهم فكرت وتفكرت ودبرت وتدبرت، فكأنه يقول ما رددت ملائكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فأرددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي وبما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت (عليه السلام) إلى إبراهيم وموسى (عليهما السلام) في القضيتين المشهورتين إلى أن اختارا الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الأولياء يرددهم إليهم رفقا وكرامة ليميلوا إلى الموت ويحبوا لقاء المولى.

1 - قوله «لما جرت العادة بأن يتردد» نسبة التردد إلى الله تعالى كنسبة سائر الحالات الدالة على التغير والاستحالة يتنزه عنه الباري كالغضب والرضا والأسف، والمراد بأمثالها شأنية المقام لعروض هذه الحالات لو كان المورد انسانا. (ش).
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430