بيان يتعلق بالحديث الحادي والستين بعد سبعمأة، المذكور في ص 527 قال المجلسي (ره) في المجلد الرابع عشر من البحار في باب معالجات العين والاذن (ص 522، ص 13) بعد نقل الحديث من الكتاب الحاضر والكافي وطب الأئمة ما لفظه: " بيان - مضمون هذا الخبر مروى في روايات العامة من صحاحهم وغيرها بأسانيد فمنها ما رووه عن سعيد بن زياد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء العين " وفى بعضها " الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين " وعن أبي هريرة قال: " أخذت ثلاثة أكماء أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت مائهن في قارورة وكحلت به جارية لي فبرئت " وقال الجزري في قوله صلى الله عليه وآله " من المن ": أي هي مما من الله به على عباده وقيل: شبهها بالمن وهو العسل الحلو الذي ينزل من السماء عفوا بلا علاج وكذلك الكمأة لا مؤنة فيها ببذر ولا سقى " وقال: " الكمأة معروفة واحدها كمؤ على غير قياس وهي من النوادر فإن القياس العكس " وفى القاموس: " الكمؤ نبات معروف والجمع أكمؤ وكمأة، أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمؤ للجمع، أو هي تكون واحدة وجمعا " (انتهى) وقيل: " هو شئ أبيض مثل شحم ينبت من الأرض يقال له شحم الأرض " وقال النووي في شرح حديث أبي هريرة: " شبه الكمأة بالجدري وهو الحب الذي يظهر في جسد الصبي لظهورها من بطن الأرض كما يظهر الجدري من باطن الجلد وأريد ذمها فمدحها صلى الله عليه وآله بأنها من المن ومعناه أنها من الله تعالى وفضله على عباده وقيل: شبهت بالمن الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل لأنه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج ولا زرع ولا بذر ولا سقى ولا غيره، وقيل: هي من المن الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل حقيقة عملا بظاهر اللفظ. وقوله صلى الله عليه وآله: " وماؤها شفاء للعين " قيل: " هي نفس الماء مجردا ". وقيل: معناه أن يخلط ماؤها بدواء يعالج به العين " وقيل: " إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فماؤها مجردا شفاء للعين وإن كان غير ذلك فمركبا مع غيره والصحيح بل الصواب أن ماءها مجردا شفاء للعين مطلقا فيعصر ماؤها ويجعل للعين منه وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عمى وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفى وعاد إليه بصره " (انتهى) وأقول قال الشيخ في القانون: " ماء الكمأة يجلو العين مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله واعترافا عن مسيح الطبيب وغيره " (انتهى) وقال ابن حجر: قال الخطابي: " إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض ليس في اكتسابه شبهة ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والعكس بالعكس " قال ابن الجوزي: " في المراد بكونها شفاء للعين قولان، أحدهما ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين أحدهما أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاه أبو عبيد (قال: ويصدق هذا الذي حكاه أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا: أكل الكمأة يجلو البصر وثانيهما أن يؤخذ فيشق ويوضع على الجمر حتى يغلى ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فائر فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه و تذهب فضلاته الردية وتبقى النافع منه ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع وقد حكى إبراهيم الحربي عن صالح وعبد الله ابني أحمد بن حنبل أنهما اشتكت أعينهما فأخذا كمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما رمدا " قال ابن الجوزي: " وحكى شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي أن بعض الناس عصر ماء كمأة فاكتحل به فذهبت عينه " والقول الثاني أن المراد ماؤها الذي ينبت به فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربى به الاكحال قال ابن التميم وهذا أضعف الوجوه قلت: " وفيما ادعاه ابن الجوزي من الانفاق على أنها لا تستعمل صرفا نظر فحكى عياض بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلا وهو: إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة وبهذا جزم ابن العربي فقال: " الصحيح أنه يقع بصورته في حال وبإضافته في أخرى وقد جرب ذلك فوجد صحيحا نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي فقال: " يربى بها التوتيا وغيرها من الاكحال ولا يستعمل صرفا فإن ذلك يؤذى العين " وقال العافقي في المفردات " ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به فإنه يقوى الجفن ويزيد الروح الباصرة حدة وقوة ويدفع عنها النوازل " ثم ذكر ما مر من كلام النووي ثم قال " وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث والعمل به " وقال ابن التميم " اعترف فضلاء الأطباء بأن ماء الكمأة يجلو العين منهم المسيحي وابن سينا وغيرهما والذي يزيل الاشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة، واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله ويدفع الله عنه الضرر لنيته والعكس بالعكس والله أعلم ". أقول: حيث فاتنا ذكر البيان في موضعه استدركنا هنا لكثرة فائدته.
(٥٦٦)