تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على لزوم العقود، هو أن الظاهر من الاكل في المقام مطلق التصرفات والانتفاعات بالأموال لا خصوص الازدراد، إذ في جملة كثيرة من الأموال لا يمكن ذلك.
فظاهر الآية هو النهي وتحريم التصرفات الباطلة أي على وجه لم يشرع في أموال الناس، إذ لا شك في جواز جميع التصرفات في أموال نفسه إلا أن يكون ذلك السنخ من التصرفات حراما كالاسراف والتبذير وغيرهما من التصرفات المحرمة الكثيرة.
ولا يمكن أن يكون المراد من الباطل في الآية هذا القسم من التصرفات: أولا بقرينة بينكم لان أمثال هذه التصرفات محرمة وإن لم يكن غيره في البين، فهذه الكلمة خصوصا مع قوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم تكون قرينة على أن المراد من الاكل بالباطل هو التصرف في مال الغير على وجه شرعي، وبغير استحقاق، كالغصب والخيانة والسرقة والربا، وبشهادة الزور، أو باليمين الكاذبة، أو بالرشوة، أو بالبيوع الفاسدة كالبيع الغرري، أو سائر المعاملات الفاسدة الباطلة في الشرع، مثل أنواع القمار إلى غير ذلك من العقود والمعاملات الفاسدة: كالمعاملات التي تقع عن إكراه الطرف.
فمعنى الآية بحسب الظاهر وما هو المتفاهم العرفي منها أن جميع هذه التصرفات في أموال الناس حرام، إلا أن يكون التصرف في مال الغير بالوجه الشرعي، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك الوجه بقوله إلا أن تكون تجارة عن تراض أي عند العرف مع عدم ردع الشارع عن مثل ملك التجارة، بل إمضائها، وذلك من جهة أن قولهم بكفاية عدم الردع من قبل الشارع من باب أنه كاشف عن الامضاء وإلا فهو بنفسه لا أثر له، فإذا كان معنى الآية ما عرفت، فدلالتها على اللزوم واضحة.
بيان ذلك أنه بعد الفراغ عن حصول الملكية والنقل والانتقال بمحض وجود