منه، فان هذا يشبه الاكل من القفا، بل نقول من أول الأمر أن وجوب الوفاء بالعقد عبارة عن لزوم البقاء عليه وعدم نقضه وحله، وهذا عين اللزوم، وإن شئت قلت إن معنى القاعدة عرفا هو الالتزام والتعهد بأمر، فهذا المعنى بنفسه يقتضي عند العرف والعقلاء البقاء على تعهده وعدم جواز حله ونقضه.
وبعبارة أخرى يرونه في عالم اعتبارهم أمرا ثابتا غير ممكن النقض، ولذلك يرون الخارج عن التزامه ناقضا لعهده، وهذا عين اعتبار اللزوم عندهم في العقود والعهود، والشارع أمضى هذا اللزوم الذي في اعتبارهم للعقود بقوله: أوفوا بالعقود.
فمفاد هذه الآية تثبيت ما هو ثابت عندهم، وتقرير أهل العرف في لزوم العقود في اعتبارهم.
فكأن ها هنا اعتبارين أحدهما من قبل العرف وهو اعتبارهم اللزوم في عقودهم وعهودهم سواء كانت في أبواب المعاملات أو في غيرها ثانيهما من قبل الشرع وهو إمضاء ذلك الاعتبار العرفي وتثبيته في عالم الاعتبار الشرعي.
وأما ما ذكره بعض المفسرين (1) من الوجوه الأربعة في المراد من العقود في الآية:
أحدها أن المراد من هذه الكلمة هو عهود أهل الجاهلية، ذكره جمع من المفسرين، وفيهم ابن عباس، وهذا المعنى لابد منه توجيهه، وإلا فهو بظاهره فاسد.
ثانيها هو العهود التي أخذ الله تعالى على عباده بأن لا يعبدوا الشيطان.
ثالثها العقود والعهود التي بين الناس في معاملاتهم وغيرها.
رابعها أن المراد به العهود والمواثيق التي أخذ من أهل الكتاب في التوراة من عدم إنكارهم لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وتصديقهم لنبوته، وأن كل ما جاء به من الأحكام