العقد التام الواجد لجميع شرائط الصحة من الطرفين، ففسخ أحدهما من دون رضا الآخر يكون تصرفا في مال الغير بدون أن يكون تجارة عن تراض منهما، فيكون أكلا لمال الغير بالباطل، أي بوجه غير شرعي.
فالفسخ الذي أثره إرجاع مال الغير إلى صاحبه الأولى من دون رضا من ملك بالعقد، يكون داخلا في المستثنى منه، فيكون منهيا عنه، فيكون باطلا وغير نافذ وهذا معنى مساوق للزوم.
وخلاصة الكلام أن ظاهر الآية هو أن سبب جواز أكل أموال الناس منحصر في الانتقال إليه بالتجارة التي تكون عن تراض منهما، كما هو مفاد الاستثناء عن العموم.
ثم إنه لا يخفى أن عقد المستثنى منه وحده كاف في إثبات هذا الحكم، أي 182 أصالة اللزوم في العقود، لو كان المراد من الاكل بالباطل هو الاكل من غير سبب شرعي.
لا يقال: إن الفسخ لو كان مؤثرا يكون سببا شرعيا، ويخرج به كون الاكل اكلا لمال الغير الباطل، فيكون هذا الاستدلال دوريا، لأن عدم تأثير الفسخ موقوف على كون أكل المال به أكلا بالباطل، وكونه كذلك موقوف على عدم تأثير الفسخ، وألا يكون الاكل على وجه شرعي، وليس من اكل المال بالباطل.
لان الآية حصرت سبب جواز أكل مال الغير في التجارة عن تراض، ومعلوم أن الفسخ من دون رضاية الطرف الآخر ليس من التجارة عن تراض.
إن قلت: أليس يجوز أكل مال الغير بإباحة مالكه، وليست الإباحة تجارة عن تراض؟
قلنا أولا إن المراد من الاكل ها هنا هو التملك لا المعنى المعروف المقابل للشرب كما تقدم ذكره، والتملك لا يحصل بالإباحة بل يحتاج إلى تمليك من قبل الله أو من قبل مالكه.