أنه لا يصلح أن يكون قاضيا إلا من يكون من أهل الاجتهاد، ثم يذكرون من شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام. فهذا كالإحالة والتناقض، لا سيما إن قلنا:
قال ابن داود: شرط الشافعي رضي الله عنه في القاضي والمفتي شرائط لا توجد إلا في الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. أو قلنا: إن من أصحابه من قال: شرط الشافعي في الحاكم والمفتي شروطا تمنع أن يكون أحدا بعده حاكما أو مفتيا. ففي ذلك تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم. وهذا غير مسلم، بل الصحيح في المسألة: أن ولاية الحكام - وإن اختلفت أقوال العلماء في شروطهم - جائزة. وأن حكوماتهم صحيحة نافذة. والله أعلم.
فصل: المرأة هل يصح أن تلي القضاء؟ قال مالك والشافعي وأحمد: لا يصح.
وقال أبو حنيفة: يصح أن تكون قاضية في كل شئ تقبل فيه شهادة النساء. وعنده: أن شهادة النساء تقبل في كل شئ، إلا في الحدود والجراح. فهي عنده تقضي في كل شئ، إلا في الحدود والجراح. وقال ابن جرير الطبري: يصح أن تكون قاضية في كل شئ. وقال علي: لا يجوز أن يكون القاضي عبدا.
فصل: وهل القضاء من فروض الكفايات؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: نعم.
ويجب على من تعين عليه الدخول فيه. وإن لم يوجد غيره. وقال أحمد في أظهر روايتيه: ليس هو من فروض الكفايات، ولا يتعين الدخول فيه وإن لم يوجد غيره. ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا بالاتفاق.
وهل يكره القضاء في المسجد أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يكره. وقال مالك: بل هو السنة. وقال الشافعي: يكره، إلا أن يدخل المسجد للصلاة، فتحدث حكومة يحكم فيها.
فصل: ولا يقضي القاضي بغير علمه بالاجماع. وهل يجوز له أن يقضي بعلمه أم لا؟ قال أبو حنيفة: ما شاهده الحاكم من الافعال الموجبة للحدود قبل القضاء وبعده لا يحكم فيها بعلمه. وما علمه من حقوق الناس حكم فيها بما علمه قبل القضاء وبعده.
وقال مالك وأحمد: لا يقضي بعلمه أصلا. وسواء في ذلك حقوق الله عز وجل وحقوق الآدميين. والصحيح من مذهب الشافعي: يقضي بعلمه، إلا في حدود الله.
وهل يكره للقاضي البيع والشراء بنفسه أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يكره ذلك. وقال مالك والشافعي وأحمد: يكره. وطريقه: أن يوكل.