وكل موضع يجوز فيه القضاء على الغائب: فإن الحاكم إذا سمع الدعوى فيه، وشهدت البينة عنده بالحق المدعى به، وعرف عدالتها، وسأله المدعي: أن يحكم له بذلك: فلا يجوز له أن يحكم له بذلك، حتى يحلف المدعي على استحقاق ذلك في ذمة الغائب، وأنه ثابت عليه إلى الآن ما قبضه ولا شيئا منه، ولا أبرأه من ذلك، ولا من شئ منه، ولا أحال به، ولا احتال به ولا بشئ منه، ولا قبض بأمره، ولا شئ منه، ولا تعوض عن ذلك ولا شئ منه، بنفسه ولا بوكيله في الحالات كلها. ولا سقط ذلك عن ذمته بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الأسباب ولا شئ منه إلى الآن، وأنه يستحق قبض ذلك منه حال حلفه، وأن من شهد له بذلك صادق في شهادته. وهذه اليمين واجبة. لان الحاكم مأمور بالاحتياط في حق الغائب. ومن الاحتياط أن يحلف له المدعي.
وإن ادعى رجل على ميت حقا وأقام عليه البينة سمعت. فإن كان له وارث معين عليه وجب على الحاكم إحلاف المدعى عليه إن ادعى قضاء أو إبراء. وإن لم يكن له وارث معين وجب على الحاكم أن يحلف المدعي مع بينته. لان الوارث غير معين. فقام الحاكم مقامه.
وإن كانت الدعوى على صبي أو مجنون - وكان للمدعي بينة - وجب على الحاكم سماعها. والحكم بها بعد يمين المدعي. فإن الجواب متعذر من جهتهما. فجاز القضاء عليهما بالبينة مع اليمين كالغائب. ويبقى القاضي الحجة في الحكم على الغائب والصبي والمجنون. فإذا حضر الغائب، وبلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأقام البينة على جرح الشهود عند الشهادة، أو الابراء أو القضاء: نقض الحكم.
الخلاف المذكور في مسائل الباب:
لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد. كالجاهل بطرق الأحكام عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز ولاية من ليس بمجتهد. واختلف أصحابه. فمنهم من شرط الاجتهاد. ومنهم من أجاز ولاية العامي. وقالوا: يقلد ويحكم.
وقال ابن هبيرة - في الافصاح - والصحيح من هذه المسألة: أن من شرط الاجتهاد، إنما عنى به ما كان الحال عليه قبل استقرار هذه المذاهب الأربعة التي أجمعت