عنه: إنه يأتينا منك كتب، ليس لها تاريخ. فأرخ لتستقيم الأحوال. فأرخ وقيل: رفع إلى عمر صك محله شعبان. فقال: أي شعبان هذا؟ الذي نحن فيه، أم الماضي، أم الذي يأتي؟.
وقيل: أول من أرخ: يعلى بن أمية. كتب إلى عمر رضي الله عنه من اليمن كتابا مؤرخا. فاستحسنه. وشرع في التاريخ.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما عزم عمر رضي الله عنه على التاريخ: جمع الصحابة واستشارهم. فقال سعد بن أبي وقاص: أرخ لوفاة رسول الله (ص). وقال طلحة: أرخ لمبعثه، وقال علي بن أبي طالب: لهجرته. فإنها فرقت بين الحق والباطل.
وقال آخرون: لمولده. وقال قوم: لنبوته. وكان ذلك في سنة سبع عشرة من الهجرة.
وقيل: سنة ست عشرة. فاتفقوا على أن يؤرخوا بالهجرة. ثم اختلفوا فيما يبدأون به من الشهور. فقال عبد الرحمن بن عوف: ابدأ برجب. فإنه أول الأشهر الحرم. وقال طلحة:
ابدأ برمضان. فإنه شهر الأمة. وفيه أنزل القرآن. وقال علي: ابدأ بالمحرم. لأنه أول السنة. ومن الأشهر الحرم. وقيل: إنما أشار بالمحرم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.
فاستقر الحال على ذلك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد ذكر الله التاريخ في كتابه. فقال تعالى: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * وقال قتادة في تفسير الآية: جعلها الله تعالى مواقيت لصوم المسلمين، وإفطارهم، وحجهم ومناسكهم. وعدد نسائهم، وغير ذلك والله أعلم بما يصلح خلقه انتهى.
هذا آخر ما انتقيناه من جواهر العقود، ونهاية ما أردناه من تقرير مصطلح الموقعين والشهود، الجاري على الرسم المعهود. وإنه لكتاب اشتمل على مادة من العالم وافرة، وخص من الفوائد بجملة إذا تصرف المتصرف فيها أحرز الجواهر الفاخرة، مطالعه لا يحتاج مع سلوك منهاجه القويم إلى تنبيه. ولا يفتقر في مؤاخاة الاسترشاد به إلى كاف تشبيه.
وأنا أناشد الله تعالى من وقف عليه من حبر بليغ القلم منيره، أو بحر اللسان غواصه، والكلام جوهره: أن يعاملني عند الوقوف عليه بإغضائه وصفحه، وأن يسدد ما يقع عليه طرف تأمله وانتقاده من الخلل، كاشفا ظلام عيني بإسفار صبحه، وتمحيص نصحه، حاملا كل قول يستغربه أو يستهجنه على أحسنه، رادا كل لفظة فظة إلى أوضح معنى وأبينه، فأي جواد لا يكبو؟ وأي سيف لا ينبو؟
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها كفى المرء فضلا أن تعد معايبه والخلق يتفاضلون في العلم والادراك. والعاقل يحتاج إلى منبه يحذره مدارك التعقب والاستدراك. وقصارى مؤلفه الفقير الحقير الاعتراف بما لديه من العجز والتقصير، وأن خطوه في سلوك هذا المرتقى الوعر قصير. وهو يستغفر الله مما طغى به القلم. وحاول إدراك شأو المتقدمين فيه فلم.
والحمد لله رب العالمين، أولا وآخرا، وباطنا وظاهرا. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين. وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولا حول وقوة إلا بالله العلي العظيم.
قال مؤلفه: فسح الله في مدته: كان الفراغ من تأليفه في اليوم المبارك، الموفى للثلاثين من شهر جمادى الأولى من شهور سنة خمس وستين وثمانمائة.
وكان الفراغ من هذه النسخة المباركة في يوم الأحد ثاني رجب الفرد من شهور سنة تسع وثمانين وثمانمائة. أحسن الله فراغها في خير وعافية بالجامع الأزهر المعمور بذكر الله، على يد العبد الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، الراجي عفو ربه القدير: ناصر بن أحمد بن علي الدمياطي الشافعي. غفر الله تعالى له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والأموات. إنه قريب مجيب الدعوات. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على خير خلقه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.