وإذا كان القاضي لا يعرف لسان الخصم، لاختلاف لغتهما. فلا بد للقاضي ممن يترجم عن الخصم. واختلفوا في عدد من يقبل في ذلك. وكذلك في التعريف بمن لا يعرف، وتأدية رسالته، والجرح والتعديل. فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه:
تقبل شهادة الرجل الواحد في ذلك كله، بل قال أبو حنيفة: يجوز أن يكون امرأة. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: لا يقبل أقل من رجلين. وقال مالك: لا بد من اثنين. فإن كان التخاصم في إقرار بمال قبل فيه عنده رجل وامرأتان. وإن كان يتعلق بأحكام الأبدان لم يقبل إلا رجلان.
فصل: وإذا عزل القاضي نفسه: فهل ينعزل أم لا؟ نقل المحققون من أصحاب الشافعي: أن القاضي كيف عزل نفسه انعزل، إن لم يتعين عليه، وإن تعين عليه لم ينعزل في أظهر الوجهين. وقال الماوردي: إن عزل نفسه لعذر جاز. أو لغيره لم يجز. ولكن لا يجوز أن يعزل نفسه إلا بعد إعلام الامام واستعفائه. لأنه موكول بعمل يحرم عليه إضاعته. وعلى الامام أن يعفيه إذا وجد غيره. فيتم عزله باستعفائه وإعفائه، ولا يتم بأحدهما. ولا يكون قوله: عزلت نفسي عزلا. لان العزل يكون من المولي. وهو لا يولي نفسه. فلا يعزلها.
وقال الأصحاب: لو فسق القاضي، ثم تاب وحسن حاله، فهل يعود قاضيا من غير تجديد ولاية؟ وجهان. أصحهما: لا يعود بخلاف الجنون والاغماء، إذ لا يصح فيهما العود. وقال الهروي في الاشراف: لو فسق القاضي وانعزل. ثم تاب صار واليا. نص عليه - يعني الشافعي - لان ذلك يسد باب الأحكام. فإن الانسان لا ينفك غالبا من أمور يعصي بها، فيفتقر إلى مطالعة الامام. فجوز للحاجة. وقال القاضي: إن حدث الفسق في القاضي وأخر التوبة: انعزل. وإن عجل الاقلاع بتوبة وندم: لم ينعزل لانتفاء العصمة عنه. ولان:
هفوات ذوي الهيئات مقالة قل من يسلم إلا من عظم واختلفوا في سماع من لا تعرف عدالته الباطنة. قال أبو حنيفة: يسأل الحاكم عن باطن العدالة في الحدود والقصاص قولا واحدا. وفيما عدا ذلك لا يسأل إلا أن يطعن الخصم في الشاهد. فمتى طعن سأل، ومتى لم يطعن لم يسأل. وتسمع الشهادة.
ويكتفي بعدالتهم في ظاهر أحوالهم. وقال مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: لا يكتفي الحاكم بظاهر العدالة، حتى يعرف العدالة الباطنة، سواء طعن الخصم أو لم