في ثلاث سنين على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى:
حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الحنفي فلان، وأحضر معه جماعة. وهم فلان وفلان وفلان. وادعى عليهم لدى الحاكم المشار إليه: أن ولده فلانا وجد قتيلا في الموضع الفلاني، الذي هو في حماية هؤلاء وحفظهم، أو في محلتهم، أو في دارهم، أو في مسجد محلتهم في قريتهم - والدم يخرج من أذنيه وعينيه، أو مضروب، أو به جراحات بالسيف، أو هو مخنوق. وسأل سؤالهم عن ذلك.
فسألهم الحاكم المشار إليه. فأجابوا: أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. ولكن اعترفوا أنه وجد قتيلا في محلتهم.
فطلب المدعي المذكور من الحاكم المشار إليه العمل في ذلك بمقتضى مذهبه.
والحكم فيه بما يراه من معتقده. فأعلمه الحاكم المشار إليه: أن يختار خمسين رجلا من أهل المحلة أو القرية - إن شئت من مشايخهم وصلحائهم، وإن شئت من شبابهم ونسائهم - يحلفون خمسين يمينا: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا. وتستحق الدية على العاقلة. وهم أهل المحلة، القريب والبعيد من المدعى عليهم في ذلك سواء. تقسط عليهم في ثلاث سنين.
فأجاب المدعي إلى ذلك. وعين خمسين رجلا من مشايخ تلك المحلة وصلحائهم وهم فلان وفلان ويذكر أسمائهم كلهم - وقال: هؤلاء يحلفون. فعرض الحاكم الايمان عليهم. فبذلوها. وحلفوا بالله العظيم الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي أنزل القرآن على نبيه ورسوله محمد (ص) - خمسين يمينا جامعة لمعاني الحلف شرعا - أنا ما قتلنا هذا القتيل. ولا علمنا له قاتلا.
ولما استوفيت الايمان الشرعية منهم، سأل الخصم المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم بالدية على ما يراه من مذهبه ومعتقده. فأجابه إلى سؤاله. وحكم له بدية قتيله. وهي مائة من الإبل من أربعة أسنان. خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، مقسطة على ثلاث سنين. يستوي في أدائها أقرباء المدعى عليهم الأقارب والأباعد، حكما شرعيا إلى آخره، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك. وفي السبب الذي يملك به أولياء المقتول القسامة ما هو. وبمن يبدأ بأيمانهم من المدعين والمدعى عليهم. وفي الدية ووجوبها حالة أو مقسطة. وبعد استيفاء الشرائط الشرعية. واعتبار ما يجب اعتباره شرعا. ويكمل على نحو ما سبق.