غير اليمين مثل، إن جاءك رجل فأطعمه فليس نصا في العموم، ومثله ما نحن فيه فافهم.
مطلب: ما ينفذ من القضاء وما لا ينفذ قوله: (إذ حكم نفسه قبل ذلك) أي قبل الرفع إليه كذلك: أي كحكم قاض آخر في أنه ينفذه إذا رفع إليه، ويكون هذا رافعا للخلاف فيه، ولا يحتاج في نفوذه على المخالف إلى قاض آخر، لكن ذكر ذلك ابن الغرس سؤالا، وأجاب عنه بأنه لا يصح، لأنه غير ممكن شرعا، إذ القاضي لا يقضي لنفسه بالاجماع، والحكم به حكم بصحة فعل نفس فيلغو ا ه.
قلت: هذا ظاهر بالنسبة إلى رفع الخلاف، أما بالنسبة إلى منع الخصم وإلزامه به فلا، فتأمل.
قوله: (نفذه) أي يجب عليه تنفيذه (قوله لو مجتهدا فيه) بنصب مجتهدا خبرا لكان المقدرة بعد الواو واسمها ضمير عائد إلى حكم العائد إليه ضمير نفذه.
ثم اعلم أنهم قسموا الحكم ثلاثة أقسام: قسم يرد بكل حال، وهو ما خالف النص أو الاجماع كما يأتي وقسم يمضي بكل حال، وهو الحكم في محل الاجتهاد بأن يكون الخلاف في المسألة وسبب القضاء، وأمثلته كثيرة، منها: لو قضى بشهادة المحدودين بالقذف بعد التوبة وكان يراه كشافعي، فإذا رفع إلى قاض آخر لا يراه كحنفي يمضيه ولا يبطله، وكذا لو قضى لامرأة بشهادة زوجها وآخر أجنبي فرفع لمن لا يجيز هذه الشهادة أمضاه، لان الأول قضى بمجتهد فيه فينفذ لان المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا؟ فالخلاف في المسألة وسبب الحكم لا في نفس الحكم، وكذا لو سمع البينة على الغائب بلا وكيل عنه وقضى بها ينفذ، لان المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن البينة هل تكون حجة بلا خصم حاضر، فإذا رآها صح. وسيأتي اختلاف الترجيح في الأخيرة. وقسم اختلفوا فيه: وهو الحكم المجتهد فيه وهو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم، فقيل ينفذ، وقيل يتوقف على إمضاء قاض آخر وهو الصحيح كما في الزيلعي وغيره، وبه جزم في الخانية. وحكى ابن الشحنة في رسالته المؤلفة في الشهادة على الخط عن جده ترجيح الأول، فإذا رفع إلى الثاني فأمضاه يصير كأن القاضي الثاني حكم في فصل مجتهد فيه فليس للثالث نقضه، ولو أبطله الثاني بطل، وليس لاحد أن يجيزه، كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته أو كان القاضي محدودا في قذف، لان نفس القضاء مختلف فيه، وسيشير الشارح إلى القسم الأخير، وتمام الكلام على ذلك في رسالة ابن الشحنة المذكورة والبزازية، وسيأتي له مزيد تحقيق. قوله: (عالما) حال من قول المصنف قاض آخر وساغ مجئ الحال منه وهو نكرة لتخصصها بالوصف وهو آخر، ولا يصح كونه خبرا بعد خبر لكان المقدرة بعد لو في قوله: لو مجتهدا فيه لان الضمير المستتر فيها عائد إلى الحكم كما علمت، فيلزم أن يكون الضمير المستتر في عالما عائدا إلى الحكم أيضا، ولا يصح.
مطلب مهم في قولهم يشترط كون القاضي عالما باختلاف الفقهاء قوله: (عالما باختلاف الفقهاء فيه الخ) أقول: ذكر ذلك أيضا في البحر، فذكر أن هذا شرط نفاذ القضاء في ظاهر المذهب، ثم ذكر عبارة الخلاصة، ثم قال: والتحقيق المعتمد أن علمه يكون ما حكم به مجتهدا فيه شرط، وأما علمه بكون المسألة اجتهادية فلا، ويدل عليه ما في التفاوى الصغرى