فيسد باب انتفاع الانسان بملكه كما ذكرنا قريبا ا ه ملخصا. فانظر كيف جعل المفتى به القياس الذي يكون فيه الضرر بينا لا مطلقا، وإلا لزم أنه لو كانت له شجرة مملوكة يستظل بها جاره وأراد قطعها أن يمنع لتضرر الجار به كما قرره في الفتح قبله.
قلت: وأفتى المولى أبو السعود أن سد الضوء بالكلية ما يكون مانعا من الكتابة، فعلى هذا لو كان للمكان كوتان مثلا فسد الجار ضوء إحداهما بالكلية لا يمنع إذا كان يمكن الكتابة بضوء الأخرى، والظاهر أن ضوء الباب لا يعتبر لأنه يحتاج لغلقه لبرد ونحوه كما حررته في تنقيح الحامدية. وفي البحر: وذكر الرازي في كتاب الاستحسان: لو أراد أن يبني في داره تنورا للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحى للطحن أو مدقات للقصارين لم يجز، لأنه يضر بجيرانه ضررا فاحشا لا يمكن التحرز عنه فإنه يأتي منه الدخان الكثير، والرحى والدق يوهن البناء، بخلاف الحمام لأنه لا يضر إلا بالنداوة، ويمكن التحرز عنه بأن يبني حائطا بينه وبين جاره، وبخلاف التنور المعتاد في البيوت ا ه.
وصحح النسفي في الحمام أن الضرر لو فاحشا يمنع وإلا فلا، وتمامه فيه. قوله: (حتى يمنع الجار من فتح الطاقة) أي التي يكون فيها ضرر بين بقرينة ما قبله، وهو ما أفتى به قارئ الهداية لما سئل: هل يمنع الجار أن يفتح كوة يشرف منها على جاره وعياله؟ فأجاب بأنه يمنع من ذلك ا ه. وفي المنح عن المضمرات شرح القدوري: إذا كانت الكوة للنظر وكانت الساحة محل الجلوس للنساء يمنع، وعليه الفتوى ا ه. قال الخير الرملي: وأقول لا فرق بين القديم والحديث حيث كانت العلة الضرر البين لوجودها فيهما. قوله: (ورجحه في الفتح) حيث قال: والوجه لظاهر الرواية. قوله: (ثمة) أي في كتاب القسمة في المنح. قوله: (فالعمل على المتون) قد يقال: إن هذا لا يقال في كل متن مع شرح بل هذا في نحو المتون القديمة ط: أي وهذه المسألة ليست من مسائل (1)، ويظهر من كلام الشارح الميل إلى ما مشى عليه المصنف في متنه لأنه أوفق بدفع الضرر البين عن الجار المأمور بإكرامه، ولذا كان هو الاستحسان الذي مشى عليه مشايخ المذهب المتأخرين (2) وصرحوا بأن الفتوى عليه.
والحاصل أنهما قولان متعمدان يترجح أحدهما بما ذكرنا، والآخر بكونه أصل المذهب. قوله:
(قياسا على مسألة السفل الخ) أقول: هذا غير مسلم لأنه مخالف لكلامهم مع أنه قياس مع الفارق، وذلك أنك علمت أن أصل المذهب في مسألتنا عدم المنع مطلقا لكونه تصرفا في خالص ملكه، وخالف المشايخ أصل المذهب فيما إذا كان الضرر بينا، ولا يخفى أن التقييد بالبين مخرج للمشكل،