بالحكم بأصح أقوال المذهب كعادة من قبله، وتمام الكلام على ذلك في كتابنا تنقيح الحامدية فراجعه، وأطلنا الكلام عليه أيضا في كتابنا تنبيه الولاة والحكام. قوله: (إلا في الوقف والإرث ووجود عذر شرعي) استثناء الإرث موافق لما مر عن الحموي، ولما في الحامدية عن فتاوى أحمد أفندي أحمد أفندي المهمنداري مفتي دمشق أنه كتب على ثلاثة أسئلة أنه تسمع دعوى الإرث ولا يمنعها طول المدة ويخالفه ما في الخيرية حيث ذكر أن المستثنى ثلاثة مال اليتيم والوقف والغائب، ومقتضاه أن الإرث غير مستثنى فلا تسمع دعواه بعد هذه المدة، وقد نقل في الحامدية عن المهمنداري أيضا أنه كتب على سؤال آخر فيمن تركت دعواها الإرث بعد بلوغها خمس عشرة سنة بلا عذر، أن الدعوى لا تسمع إلا بأمر سلطاني، ونقل أيضا مثله فتوى تركية عن المولى أبي السعود، وتعريبها: إذا تركت دعوى الإرث بلا عذر شرعي خمس عشرة سنة فهل لا تسمع؟ الجواب: لا تسمع ا ه. إذا اعترف الخصم بالحق. ونقل مثله شيخ مشايخنا التركماني عن فتاوى علي أفندي مفتي الروم، ونقل مثله أيضا شيخ مشايخنا السائحاني عن فتاوى عبد الله أفندي مفتي الروم، وهذا الذي رأينا عليه عمل من قبلنا، فالظاهر أنه ورد نهي جديد بعدم سماع دعوى الإرث، والله سبحانه أعلم.
تنبيهات الأول: قد استفيد من كلام الشارح أن عدم سماع الدعوى بعد هذه المدة أنما هو للنهي عنه من السلطان، فيكون القاضي معزولا عن سماعها لما علمت من أن القضاء يتخصص فلذا قال: إلا بأمر: أي فإذا أمر بسماعها بعد هذه المدة تسمع، وسبب النهي قطع الحيل والتزوير، فلا ينافي ما في الأشباه وغيرها من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان ا ه. ولذا قال في الأشباه أيضا: ويجب عليه سماعها ا ه: أي يجب على السلطان الذي نهى قضاته عن سماع الدعوى بعد هذه المدة أن يسمعها بنفسه، أو يأمر بسماعها كي لا بضيع حق المدعي، والظاهر أن هذا حيث لم يظهر من المدعي أمارة التزوير، وفي بعض نسخ الأشباه: ويجب عليه عدم سماعها، وعليه، فالضمير يعود للقاضي المنهي عن سماعها، لكن الأول هو المذكور في معين المفني.
الثاني: أن النهي حيث كان للقاضي لا ينافي سماعها من المحكم، بل قال المصنف في معين المفتي: إن القاضي لا يسمعها من حيث كونه قاضيا، فلو حكمه الخصمان في تلك القضية التي مضى عليها المدة المذكورة فله أن يسمعها.
الثالث: عدم سماع القاضي لها إنما هو عند إنكار الخصم، فلو اعترف تسمع كما علم مما قدمناه من فتوى المولى أبي السعود أفندي، إذ لا تزوير مع الاقرار.
الرابع: عدم سماعها حيث تحقق تركها هذه المدة، فلو ادعى في أثنائها لا يمنع بل يسمع دعواه ثانيا ما لم يكن بين الدعوى الأولى والثانية هذه المدة. ورأيت بخط شيخ مشايخنا التركماني في مجموعته أن شرطها: أي شرط الدعوى مجلس القاضي، فلا تصح الدعوى في مجلس غيره كالشهادة. تنوير وبحر ودرر. قال: واستفيد منه جواب حادثة الفتوى، وهي أن زيدا ترك دعواه على عمرو مدة خمس عشرة سنة ولم يدع عند القاضي بل طالبه بحقه مرارا في غير مجلس القاضي، فمقتضي ما ولا تسمع لعدم شرط الدعوى، فليكن على ذكر منك، فإنه تكرر السؤال عنها، وصريح فتوى شيخ الاسلام علي أفندي: أنه إذا ادعى عند القاضي مرارا ولم يفصل القاضي الدعوى ومضت المدة المزبورة تسمع، لأنه