وهو ظاهر في الأربعة الأول دون الثلاثة الأخيرة، بل هو نافذ فيها فيصح أن يقال فيها: حتى لو أبطله ثان نفذه ثالث: أي نفذ الثالث قضاء الأول لأنه وقع نافذا فلم يصح إبطال الثاني له، وهذا هو الموافق لما قدمناه في بيان الأقسام الثلاثة، ويوضحه ما في الخانية والبزازية وغيرهما إذا كان نفس القضاء مختلفا فيه ورفع إلى قاض آخر لا يراه له إبطاله، وإذا رفع إلى من يراه ونفذه ثم رفع إلى ثالث لا يرى ذلك ليس له إبطاله، فلو كان القاضي هو المحدود في قذف فرفع حكمه إلى قاضي آخر لا يرى جوازه أبطله الثاني، وكذا لو قضى لامرأته بشهادة رجلين لا يجوز، فلو رفع إلى آخر لا يراه جاز له إبطاله لأنه كما لا يصلح شاهدا لامرأته لا يصلح قاضيا لها، فإن رفع القضاء الأول إلى من يرى جوازه فأمضاه، ثم رفع إمضاء الثاني إلى الثالث لا يرى جوازه أمضى الثالث إمضاء الثاني ولا يبطله، وكذا قضاء الأعمى، وكذا قضاء المرأة في حد أو قصاص، وفيها أيضا: لو قضى بشهادة محدود في قذف وهو يراه فرفع إلى من لا يراه لا يبطله، وكذا لو قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص اه.
والحاصل: أن الخلاف إذا كان بعد القضاء بأن كان المجتهد فيه نفس القضاء الأول لا ينفذ ما لم ينفذه قاض ثان فيكون القضاء الثاني هو النافذ، فإذا رفع إلى ثالث وجب عليه تنفيذه ولا يصح إبطاله إياه، بخلاف ما إذا كان المجتهد فيه نفس المقضي به قبل القضاء. فإن القضاء به نافذ بدون تنفيذ وإذا رفع إلى آخر نفذه، وإن لم يكن مذهبه، وهذا ما مر في قوله: وإذا رفع إليه حكم قاض آخر نفذه وبخلاف ما خالف الدليل فإنه لا ينفذ وإن نفذ ألف قاض كما قاله الزيلعي، وهذا ما مر في قوله:
إلا ما خالف كتابا أو سنة مشهورة أو إجماعا وبه تمت الأقسام الثلاثة فافهم، واغتنم تحرير هذا المقام. قوله: (وسيجئ متنا) أي في باب كتاب القاضي إلى القاضي ح. قوله: (خلافا لما ذكره المصنف شرحا) حيث عد هذه الصورة من جملة ما لا ينفذ لمخالفته الدليل، لكن نقل ط عن الهندية حكاية قولين. قوله: (والفرق الخ) هذه تفرقة عرفية، وإلا فقد قال تعالى: * (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) * (البقرة: 312) * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * (البينة: 4) ولا دليل لهم، والمراد أنه خلاف لا دليل له بالنظر للمخالف، وإلا فالقائل اعتمد دليلا، ثم مسائل الخلاف التي لا ينفذها هي ما تقدمت في قوله: إلا ما خالف كتابا الخ ط. قوله: (الأصح نعم) وقيل إنما يعتبر الخلاف في الصدر الأول قال في الفتح: وعندي أن هذا لا يعول عليه، فإن صح أن مالكا وأبا حنيفة والشافعي مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا، ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة، ويؤيده ما في الذخيرة: خالع الأب الصغير على صداقها ورآه خيرا لها صح عند مالك وبرئ الزوج عنه، فلو قضى به قاض نفذ. وسئل شيخ الاسلام عطاء بن حمزة عن أبي الصغيرة زوجها من صغير وقبل أبوه وكبر الصغيران وبينهما غيبة منقطعة، وقد كان التزوج بشهادة الفسقة، هل يجوز للقاضي أن يبعث إلى شافعي المذهب ليبطل هذا النكاح بسبب أنه كان بشهادة الفسقة، قال نعم ا ه ط.
قلت: والمسألة الثانية لم أرها في الفتح، بل ذكر مسألة غيرها وذكر عبارته في البحر.