قال أبو السعود وغيره مع أنه مخالف لدعوى الاتفاق، لكن رأيت في المحيط من كتاب الكسب: ذكر محمد في السير الكبير: لا بأس للمسلم أن يعطي كافرا حربيا أو ذميا، وأن يقبل الهدية منه، لما روي: أن النبي (ص) بعث خمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا وأمر بدفعها إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة ولان صلة الرحم محمودة في كل دين، والاهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق الخ، وسنذكر تمام الكلام على ذلك في أول كتاب الوصايا.
قوله: (دفع بتحر) أي اجتهاد، وهو لغة: الطلب والابتغاء، ويرادفه التوخي، إلا أن الأول يستعمل في المعاملات، والثاني في العبادات. وعرفا: طلب الشئ بغالب الظن عند عدم الوقوف على حقيقته. نهر. قوله: (لمن يظنه مصرفا) أما لو تحرى فدفع لمن ظنه غير مصرف أو شك ولم يتحر لم يجز حتى يظهر أنه مصرف فيجزيه في الصحيح، خلافا لمن ظن عدمه، وتمامه في النهر.
وفيه: واعلم أن المدفوع إليه لو كان جالسا في صف الفقراء يصنع صنعهم أو كان عليه زيهم أو سأله فأعطاه كانت هذه الأسباب بمنزلة التحري، وكذا في المبسوط حتى لو ظهر غناه لم يعد.
قوله: (فبان أنه عبده) أي ولو مدبرا أو أم ولد. نهر وجوهرة. وهو مفاد من مقابلته بالمكاتب، وإنما لم يجز لأنه لم يخرج المدفوع عن ملكه، والتمليك ركن. قوله: (أو مكاتبه) لان له في كسبه حقا فلم يتم التمليك. زيلعي. والمستسعي كالمكاتب عنده، وعندهما حر مديون. بحر عن البدائع.
قوله: (أو حربي) قال في البحر: وأطلق: أي في الكنز الكافر فشمل الذمي والحربي، وقد صرح بهما في المبتغى. وفي المحيط: في الحربي روايتان، والفرق على إحداهما أنه لم توجد صفة القربة أصلا والحق المنع. ففي غاية البيان عن التحفة أجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي ولو مستأمنا لا يجوز، وكذا في المعراج معللا بأن صلته لا تكون برا شرعا، ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع قربة اه.
أقول: ينافيه ما قدمناه قريبا عن المحيط عن السير الكبير من أنه لا بأس أن يعطي حربيا، إلا أن يقال: إن معناه لا يحرم بل تركه أولى فلا يكون قربة، فتأمل.
وفي شرح الكنز لابن الشلبي قال في كفاية البيهقي: دفع إلى حربي خطأ ثم تبين جاز على رواية الأصل. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وهو قوله اه. قال الأقطع وقال أبو يوسف: لا يجوز، وهو أحد قولي الشافعي، وقوله الآخر مثل قول أبي حنيفة. قال في مشكلات جواهر زاده: الاجماع منعقد أنه لو كان متسأمنا أو حربيا تجب الإعادة اه. ونص في المختار على الجواز وإطلاق الكنز يدل عليه. اه كلام ابن الشلبي.
قلت: وكذا إطلاق الهداية والملتقى الكافر يدل على الجواز، وما نقله عن الأقطع يدل على أنه قول إما المذهب فحكاية الاجماع على خلافه في غير محلها. قوله: (لما مر) أي في قوله فجميع الصدقات لا تجوز له اتفاقا. قوله: (أو كونه ذميا) عدل عن تعبير الهداية وغيرها بالكافر بناء على ما مر. قوله: (لا يعيد) أي خلافا لأبي يوسف. قوله: (لأنه أتى بما في وسعه) أي أتى بالتمليك الذي هو الركن على قدر وسعه، إذ ليس مكلفا إذا دفع في ظلمة مثلا بأن يسأل عن