أن هذا مبني على قول أبي يوسف من أنه يكون قاطع طريق إذا كان في المصر ليلا مطلقا أو نهارا بسلاح، وعليه الفتوى، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، فيعطى أحكام قاطع الطريق في غير المصر من أنه إذا ظهر عليه قبل أخذ شئ وقتل فإنه يحبس حتى يتوب، وإن أخذ مالا قطع من خلاف، وإن قتل معصوما قتل حدا على ما سيأتي تفصيله في محله، فحيث كان حده القتل لا يصلى عليه، وبما قررناه ظهر أن قوله بسلاح غير قيد، لأنه إذا وقف في المصر ليلا لا فرق بين كونه قاتلا بسلاح أو غيره كحجر أو عصا، والله أعلم. قوله: (خنق غير مرة) هو مفاد صيغة المبالغة، وقيده المصنف في باب البغاة بما إذا كان ذلك في المصر. وعبارته مع الشرح: ومن تكرر الخنق بكسر النون منه في المصر: أي خنق مرارا، ذكره مسكين، قتل به سياسة لسعيه بالفساد، وكل من كان كذلك يدفع شره بالقتل وإلا بأن خنق مرة، لا لأنه كالقتل بالمثقل، وفيه القود عند غير أبي حنيفة اه: أي وأما عنده ففيه الدية على عاقلته كالقتل بالمثقل، وظاهر قوله بأن خنق مرة، أن التكرار يحصل بمرتين. قوله: (فحكمهم كالبغاة) كذا في البحر والزيلعي: أي حكم أهل عصبية ومكابر وخناق حكم البغاة في أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم. وأما ما في الدرر من قوله وإن غسلوا: أي البغاة والقطاع والمكابر، فإنه مبني على الرواية الأخرى، وقدمنا ترجيحها. قوله: (به يفتى) لأنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد وإن كان باغيا على نفسه كسائر فساق المسلمين.
زيلعي. قوله: (ورجح الكمال قول الثاني الخ) أي قول أبي يوسف: إنه يغسل ولا يصلى عليه.
إسماعيل عن خزانة الفتاوى. وفي القهستاني والكفاية وغيرهما عن الامام السعدي: الأصح عندي أنه لا يصلى عليه لأنه لا توبة له. قال في البحر: فقد اختلف التصحيح، لكن تأيد الثاني بالحديث اه.
أقول قد يقال: لا دلالة في الحديث على ذلك لأنه ليس فيه سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل عليه، فالظاهر أنه امتنع زجرا لغيره عن مثل هذا الفعل، كما امتنع عن الصلاة على المديون، ولا يلزم من ذلك عدم صلاة أحد عليه من الصحابة، إذ لا مساواة بين صلاته وصلاة غيره، قال تعالى: * (إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة 301) ثم رأيت في شرح المنية بحثا كذلك. وأيضا فالتعليل بأنه لا توبة له مشكل على قواعد أهل السنة والجماعة لاطلاق النصوص في قبول توبة العاصي، بل التوبة من الكفر مقبولة قطعا، وهو أعظم وزرا، ولعل المراد ما إذا تاب حالة اليأس كما إذا فعل بنفسه ما لا يعيش معه عادة كجرح مزهق في ساعته وإلقاء في بحر أو نار فتاب، أما لو جرح نفسه وبقي حيا أياما مثلا ثم تاب ومات فينبغي الجزم بقبول توبته ولو كان مستحلا لذلك الفعل، إذ التوبة من الكفر حينئذ مقبولة فضلا عن المعصية، بل تقدم الخلاف في قبول توبة العاصي حالة اليأس.
ثم اعلم أن هذا كله فيمن قتل نفسه عمدا، أما لو كان خطأ فإنه يصلى عليه بلا خلاف، كما صرح به في الكفاية وغيرها، وسيأتي عده مع الشهداء. قوله: (لا يصلى على قاتل أحد أبويه الظاهر أن المراد أنه لا يصلي عليه إذا قتله الامام قصاصا، أما لو مات حتف أنفه يصلى عليه كما في البغاة ونحوهم، ولم أره صريحا، فليراجع قوله: (وألحقه فالنهر بالبغاة) أي فلا يعد خامسا،