ذكرنا واهبا ملك نفسه والموهوب له قابضا ملك الواهب فصحت الهبة والقبض وإذا لم يصرح بالاذن بالقبض بقي المقبوض من المال العين على ملك من عليه فلم تصح الهبة فيه فلا يجوز قبض الموهوب له فهو الفرق بين الفصلين ومنها أن لا يكون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب لان معنى القبض وهو التمكن من التصرف في المقبوض لا يتحقق مع الشغل وعلى هذا يخرج ما إذا وهب دارا فيها متاع الواهب وسلم الدار إليه أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع فإنه لا يجوز لان الفراغ شرط صحة التسليم والقبض ولم يوجد قيل الحيلة في صحة التسليم ان يودع الواهب المتاع عند الموهوب له أولا ويخلى بينه وبين المتاع ثم يسلم الدار إليه فيجوز الهبة فيها لأنها مشغولة بمتاع هو في يد الموهوب له وفي هذه الحيلة اشكال وهو أن يد المودع يد المودع معنى فكانت يده قائمة على المتاع فتمنع صحة التسليم ولو أخرج المتاع من الدار ثم سلم فارغا جاز وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد لان المانع من النفاذ قد زال فينفذ كما في هبة المشاع ولو وهب ما فيها من المتاع دون الدار وخلى بينه وبين المتاع جازت الهبة لان المتاع لا يكون مشغولا بالدار والدار تكون مشغولة بالمتاع لهذا افترقا فيصح تسليم المتاع ولا يصح تسليم الدار ولو جمع في الهبة بين المتاع وبين الدار الذي فيها فوهبهما جميعا صفقة واحدة وخلى بينه وبينهما جازت الهبة فيهما جميعا لان التسليم قد صح فيهما جميعا فان فرق بينهما في الهبة بأن وهب أحدهما ثم وهب الآخر فهذا لا يخلو اما ان جمع بينهما في التسليم واما ان فرق فان جمع جازت الهبة فيهما جميعا وان فرق بأن وهب أحدهما وسلم ثم وهب الآخر وسلم نظر في ذلك وروعي فيه الترتيب ان قدم هبة الدار فالهبة في الدار لم تجز لأنها مشغولة بالمتاع فلم يصح تسليم الدار وجازت في المتاع لأنه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه ولو قدم هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا أما في المتاع فلانه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه واما في الدار فلأنها وقت التسليم كانت مشغولة بمتاع هو ملك الموهوب فلا يمنع صحة القبض وعلى هذا الأصل أيضا يخرج ما إذا وهب جارية واستثنى ما في بطنها أو حيوانا واستثنى ما في بطنه أنه لا يجوز لأنه لو جاز لكان ذلك هبة ما هو مشغول بغيره وانها غير جائزة لأنه لا جواز لها بدون القبض وكون الموهوب مشغولا بغيره يمنع صحة القبض ولو أعتق ما في بطن جاريته ثم وهب الام يجوز وذكر في العتاق أنه لو دبر ما في بطن جازيته لا يجوز منهم من قال في المسألة روايتان (وجه) رواية عدم الجواز ان الموهوب مشغول بما ليس بموهوب فأشبه هبة دار فيها متاع الواهب (وجه) رواية الجواز وفي رواية الكرخي ان حرية الجنين تجعله مستثنى من العقد لان حكم العقد لم يثبت فيه مع تناوله إياه ظاهر أو هذا معنى الاستثناء ولو استثناه لفظا جازت الهبة في الام فكذا إذا كان مستثنى في المعنى ومنهم من قال في المسألة رواية واحدة وفرق بين الاعتاق والتدبير (ووجه) الفرق ان المدبر مال المولى فإذا وهب الام فقد وهب ما هو مشغول بمال الواهب فلم يجز كهبة دار فيها متاع الواهب وأما الحر فليس بمال فصار كما لو وهب دارا فيها حر جالس وذا لا يمنع جواز الهبة كذا هذا ومنها أن لا يكون الموهوب متصلا بما ليس بموهوب اتصال الاجزاء لان قبض الموهوب وحده لا يتصور وغير ليس بموهوب فكان هذا في معنى المشاع وعلى هذا يخرج ما إذا وهب أرضا فيها زرع دون الزرع أو شجرا عليها ثمر دون الثمر أو وهب الزرع دون الأرض أو الثمر دون الشجر وخلى بينه وبين الموهوب له أنه لا يجوز لان الموهوب متصل بما ليس بموهوب اتصال جزء بجزء فمنع صحة القبض ولو جذا الثمر وحصد الزرع ثم سلمه فارغا جاز لان المانع من النفاذ وهو ثبوت الملك قد زال ولو جمع بينهما في الهبة فوهبهما جميعا وسلم متفرقا جاز ولو فرق بينهما في الهبة فوهب كل واحد منهما بعقد على حدة بأن وهب الأرض ثم الزرع أو الزرع ثم الأرض فان جمع بينهما في التسليم جازت الهبة فيهما جميعا وان فرق لا تجوز الهبة فيهما جميعا قدم أو آخر سواء بخلاف الفصل الأول لان المانع من صحة القبض هنا الاتصال وانه لا يختلف والمانع هناك الشغل وانه يختلف نظير هذا ما إذا وهب نصف الدار مشاعا من رجل ولم يسلم إليه حتى وهب النصف الباقي منه وسلم الكل انه يجوز ولو وهب النصف وسلم ثم وهب الباقي وسلم لا يجوز كذا هذا وعلى هذا يخرج ما إذا وهب صوفا على ظهر غنم انه لا يجوز لان الموهوب متصل بما ليس بموهوب وهذا يمنع صحة
(١٢٥)