كان أعطاهم النفقة معجلة هذا إذا أقر الرجل فاما إذا أنكر هما جميعا أو أقر بأحدهما دون الآخر فأقاموا البينة على ذلك لا تسمع بينتهم لأنه يكون قضاء على الغائب وله من غير أن يكون عنه وله خصم حاضر لان المودع والمضارب والغريم ليسوا خصماء عن الغائب في اثبات الزوجية وايجاب النفقة عليه وكذا الأولاد والوالدون والمرأة ليسوا خصماء للغائب في اثبات ملك المال له وكل ذلك لا يجوز فان أعطوهم شيئا فهو من أنفسهم لأنهم متطوعون في ذلك ولا ينفق من ماله على من سواهم من ذوي الأرحام لان نفقتهم ليست بعلة الجزئية والبعضية لعدمها بل بطريق الصلة والبر بهم والاحسان الا ترى انهم ليس لهم أن يمدوا أيديهم فيأخذوا من ماله عند حاجتهم إليه بخلاف الوالدين والمولودين فكان الانفاق من ماله قضاء على الغائب والأصل ان كل مال ثبت حق الاخذ منه للمنفق عليه من غير قضاء القاضي له ان ينفق منه ومالا يثبت حق الاخذ منه الا بقضاء ليس للقاضي ان ينفق منه ثم القاضي إنما ينفق من مال المفقود على ما ذكرنا إذا كان المال دراهم أو دنانير أو طعاما أو ثيابا هي من جنس كسوتها فاما إذا كان من جنس آخر من العروض والعقار فلا ينفق لأنه لا يمكنه الانفاق الا بالبيع وليس للقاضي أن يبيع العقار والعروض على الغائب بالاجماع لان البيع على الغائب في معنى الحجر عليه والحجر على الحر البالغ لا يجوز عند أبي حنيفة وعندهما ان جاز على الحاضر لكن لا يجوز على الغائب لان الجواز على الحاضر لدفع الظلم بالامتناع عن قضاء الدين مع القدرة على القضاء من ثمن العين ولم يتحقق الظلم منه حالة الغيبة لما لم يعرف منه الامتناع من الانفاق فافترق الحالان وإنما ملك بيع ما يتسارع إليه الفساد لان ذلك وإن كان بيعا صورة فهو حفظ وامساك له معنى والقاضي يملك حفظ مال المفقود وأما الأب فليس له أن يبيع العقار في نفقة الغائب من غير اذن القاضي بالاجماع وأما المنقول فله أن يبيعه عند أبي حنيفة من غير أمر القاضي وعندهما لا يبيع المنقول كما لا يبيع العقار لما علم في كتاب النفقات والله تعالى أعلم (فصل) وأما حكم ماله فهو انه إذا مضت من وقت ولادته مدة لا يعيش إليها عادة يحكم بموته ويعتق أمهات أولاده ومدبره وتبين امرأته ويصير ماله ميراثا لورثته الاحياء وقت الحكم ولا شئ لمن مات قبل ذلك ولم يقدر لتلك المدة في ظاهر الرواية تقديرا وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قدرها بمائة وعشرين سنة من وقت ولادته وذكر محمد في الأصل انه فقد رجل بصفين أو بالجمل ثم اختصم ورثته في ماله في زمن أبي حنيفة عليه الرحمة فقسم بينهم وقيل كانت وفاة سيدنا علي رضي الله عنه في سنة أربعين ووفاة أبي حنيفة رضي الله عنه في سنة مائة وخمسين وروى عن محمد رحمه الله انه قدرها بمائة سنة فإذا مضت المدة المقدرة يحكم بموته وتثبت جميع الأحكام المتعلقة بالمدة كما إذا قامت البينة على موته والله سبحانه وتعالى أعلم * (كتاب اللقيط) * الكلام في اللقيط في مواضع في تفسير اللقيط لغة وعرفا وفي بيان حاله وفي بيان ما يتعلق به من الأحكام أما في اللغة فهو فعيل من اللقط وهو اللقاء بمعنى المفعول وهو الملقوط وهو الملقى أو الاخذ والرفع بمعنى الملقوط وهو المأخوذ والمرفوع عادة لما انه يؤخذ فيرفع وأما في العرف فنقول هو اسم للطفل المفقود وهو الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع عادة فكان تسميته لقيطا باسم العاقبة لأنه يلقط عادة أي يؤخذ ويرفع وتسمية الشئ باسم عاقبته أمر شائع في اللغة قال الله تعالى جل شأنه انى أراني أعصر خمرا وقال الله تعالى جل شأنه انك ميت وانهم ميتون سمى العنب خمرا والحى الذي يحتمل الموت ميتا باسم العاقبة كذا هذا (فصل) وأما بيان حاله فله أحوال ثلاث لابد من التعرف عنها حاله في الحرية والرق وحاله في النسب أما حاله في الحرية والرق فهو انه حرمن حيث الظاهر كذا روى عن سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما انهما حكما بكون اللقيط حرا ولان الأصل هو الحرية في بني آدم لان الناس كلهم أولاد سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وحواء وهما كانا
(١٩٧)