(فصل) وأما بيان ما يظهر به النسب فالنسب يظهر بالدعوة مرة وبالبينة أخرى أما ظهور النسب بالدعوة فيستدعى شرائط صحة الدعوة والاقرار بالنسب وسنذكره في كتاب الاقرار الا أنه قد يظهر بنفس الدعوة وقد لا يظهر الا بشريطة التصديق فنقول جملة الكلام فيه ان المدعي نسبه اما أن يكون في يد نفسه واما أن لا يكون فإن كان في يد نفسه لا يثبت نسبه من المدعي الا إذا صدقه لأنه إذا كان في يد نفسه فاقراره يتضمن ابطال يده فلا تبطل الا برضاه وان لم يكن في يد نفسه فاما أن يكون مملوكا واما ان لم يكن فإن كان مملوكا يثبت نسبه بنفس الدعوة إذا كان في ملك المدعى وقت الدعوة وإن كان في ملك غيره عند الدعوة فإن كان علوقه في ملك المدعى ثبت نسبه بنفس الدعوة أيضا وان لم يكن علوقه في ملكه لا يثبت نسبه الا بتصديق المالك على ما ذكرنا وان لم يكن مملوكا فاما ان لم يكن في يد أحد لا في يد غيره ولا في يد نفسه كالصبي المنبوذ واما إن كان في يد أحد كاللقيط فإن لم يكن في يد أحد ثبت نسبه بنفس الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت (وجه) القياس انه ادعى أمرا جائز الوجود والعدم فلابد لترجيح أحد الجانبين من مرجح ولم يوجد فلم تصح الدعوة (وجه) الاستحسان انه عاقل أخبر بما هو محتمل الثبوت وكل عاقل أخبر بما يحتمل الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن به وهو الأصل الا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير وهنا في التصديق نظر من الجانبين جانب اللقيط بالوصول إلى شرف النسب والحضانة والتربية وجانب المدعى بولد يستعين به على مصالحه الدينية والدنيوية وتصديق العاقل في دعوى ما ينتفع به ولا يتضرر غيره به واجب ولو ادعاه رجلان ثبت نسبه منهما عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت الا من أحدهما ويتعين بقبول القافة على ما ذكرنا ولو ادعاه أكثر من رجلين فعند أبي حنيفة رحمه الله يثبت نسبه من خمسة وعند أبي يوسف رحمه الله من اثنين وعند محمد رحمه الله من ثلاثة وقد مرت المسألة ولو ادعته امرأتان صحت دعوتهما عند أبي حنيفة وعندهما لا تصح وسنذكر الحجج من بعد إن شاء الله تعالى هذا إذا لم يكن في يد أحد فإن كان وهو اللقيط ثبت نسبه من الملتقط بنفس الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت الا بالبينة وقد ذكرنا وجههما فيما تقدم وكذا من الخارج صدقه الملتقط في ذلك أولا استحسانا والقياس أن لا يثبت إذا كذبه (وجه) القياس أن هذا اقرار تضمن ابطال يد الملتقط لان يده عليه ثابتة حقيقة وشرعا حتى لو أراد غيره أن ينزعه من يده جبرا ليحفظه ليس له ذلك والاقرار إذا تضمن ابطال الغير لا يصح وجه الاستحسان ان يد المدعى أنفع للصبي من يد الملتقط لأنه يقوم بحضانته وتربيته ويتشرف بالنسب فكان المدعى به أولى وسواء كان المدعى مسلما أو ذميا استحسانا والقياس أن لا تصح دعوة الذمي (ووجهه) أنا لو صححنا دعوته وأثبتنا نسب الولد منه للزمنا استتباعه في دينه وهذا يضر فلا تصح دعوته وجه الاستحسان أنه ادعى أمرين ينفصل أحدهما عن الآخر في الجملة وهو النسب والتبعية في الدين إذ ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون على دينه الا يرى أنه لو أسلمت أمه يحكم باسلامه وإن كان أبوه كافرا فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ويكون مسلما وذكر في النوادر أن من التقط لقيطا فادعاه نصراني فهو ابنه ثم إن كان عليه زي المسلمين فهو مسلم وإن كان عليه زي الشرك بأن يكون في رقبته صليب ونحو ذلك فهو على دين النصارى هذا إذا أقر الذمي أنه ابنه فان أقام البينة على ذلك فإن كان الشهود من أهل الذمة لا تقبل شهادتهم في استتباع الولد في دينه لأن هذه شهادة تضمنت ابطال يد المسلم وهو الملتقط فكانت شهادة على المسلم فلا تقبل وإن كانوا من المسلمين تقبل ويكون الولد على دينه فرقا بين الاقرار وبين البينة وذلك أنه متهم في اقراره ولا تهمة في الشهادة وسواء كان المدعى حرا أو عبدا لأنه ادعى شيئين أحدهما يحتمل الفصل على الآخر وهو النسب والرق فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ولو ادعاه الخارج والملتقط معا فالملتقط أولى لاستوائهما في الدعوة ونفع الصبي فترجح باليد فان سبقت دعوة الملتقط لا تسمع دعوة الخارج لأنه ثبت نسبه منه فلا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك الا ان يقيم البينة لان الدعوة لا تعارض البينة ولو ادعاه خارجا فإن كان
(٢٥٢)