فلأن يكون في الهبة أولى لان البيع يصح بدون القبض والهبة لا صحة لها بدون القبض فلما كان الاذن بالقبض شرطا لصحته فيما لا يتوقف صحته على القبض فلأن يكون شرطا فيما يتوقف صحته على القبض أولى ولان القبض في باب الهبة يشبه الركن وان لم يكن ركنا على الحقيقة فيشبه القبول في باب البيع ولا يجوز القبول من غير اذن البائع ورضاه فلا يجوز القبض من غير اذن الواهب أيضا والاذن نوعان صريح ودلالة أما الصريح فنحو أن يقول اقبض أو أذنت لك بالقبض أو رضيت وما يجرى هذا المجرى فيجوز قبضه سواء قبضه بحضرة الواهب أو بغير حضرته استحسانا والقياس أن لا يجوز قبضة بعد الافتراق عن المجلس وهو قول زفر رحمه الله لان القبض عنده ركن بمنزلة القبول على أحد قوليه فلا يصح بعد الافتراق عن المجلس كما لا يصح القبول عنده بعد الافتراق وإن كان باذن الواهب كالقبول في باب البيع (وجه) الاستحسان ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل إليه ست بدنات فجعلن يزدلفن إليه فقام عليه الصلاة والسلام فنحرهن بيده الشريفة وقال من شاء فليقطع وانصرف فقد أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبض بعد الافتراق حيث أذن لهم بالقطع فدل على جواز القبض واعتباره بعد الافتراق ولان الاذن بقبض الواهب صريحا بمنزلة اذن البائع بقبض المبيع وذلك يعمل بعد الافتراق كذا هذه (وأما) الدلالة فهي ان يقبض الموهوب له العين في المجلس ولا ينهاه الواهب فيجوز قبضه استحسانا والقياس أن لا يجوز كما لا يجوز بعد الافتراق وهو قول زفر وقد ذكرنا القياس والاستحسان الزيادات ولو قبض المشترى المبيع بيعا جائزا بحضرة البائع قبل نقد الثمن قبضة قياسا واستحسانا حتى كان له أن يسترد وفي البيع الفاسد اختلاف روايتي الكرخي والطحاوي رحمهما الله ذكرناهما في البيوع (وجه) القياس ان القبض ركن في الهبة كالقبول فيها فلا يجوز من غير اذن كالقبول من باب البيع (وجه) الاستحسان ان الاذن بالقبض وجد من طريق الدلالة لان الاقدام على ايجاب الهبة اذن بالقبض لأنه دليل قصد التمليك ولا ثبوت للملك الا بالقبض فكان الاقدام على الايجاب اذنا بالقبض دلالة والثابت دلالة كالثابت نصا بخلاف ما بعد الافتراق لان الاقدام دلالة الاذن بالقبض في المجلس لا بعد الافتراق ولان للقبض في باب الهبة شبها بالركن فيشبه القبول في باب البيع وايجاب البيع يكون اذنا بالقبول في المجلس لا بعد الافتراق فكذا ايجاب الهيبة يكون اذنا بالقبض لا بعد الافتراق ولو وهب شيئا متصلا بغيره مما لا تقع عليه الهبة كالثمر المعلق على الشجر دون الشجر أو الشجر دون الأرض أو حلية السيف دون السيف أو القفيز من الصبرة أو الصوف على ظهر الغنم وغير ذلك مما لا جواز للهبة فيه الا بالفصل والقبض ففصل وقبض فان قبض بغير اذن الواهب لم يجز القبض سواء كان الفصل والقبض بحضرة الواهب أو بغير حضرته ولان الجواز في المنفصل عند حضرة الواهب للاذن الثابت دلالة الايجاب ولم يوجد ههنا لان الايجاب لم يقع صحيحا حين وجوده فلا يصح الاستدلال على الاذن بالقبض وان قبض باذنه يجوز استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر بناء على أن العقد إذا وقع فاسدا من حين وجوده لا يحتمل الجواز عنده بحال لاستحالة انقلاب الفاسد جائزا وعندنا يحتمل الجواز باسقاط المفسد مقصورا على الحال أو من حين وجود العقد بطريق البيان على اختلاف الطريقين اللذين ذكرناهما في كتاب البيع وكذلك إذا وهب دينا له على إنسان لآخر انه ان قبض الموهوب له باذن الواهب صريحا جاز قبضه استحسانا والقياس أن لا يجوز وقد ذكرنا وجه القياس والاستحسان فيما تقدم وان قبضه بحضرته ولم ينهه عن ذلك لا يجوز قياسا واستحسانا فرق بين العين والدين (وجه) الفرق ان الجواز في هبة العين عند عدم التصريح بالاذن لكون الايجاب فيها دلالة الاذن بالقبض لكون دلالة قصده تمليك ما هو ملكه من الموهوب له وايجاب الهبة في الدين لغير من عليه الدين لا تصح دلالة الاذن بقبضه لان دلالته بواسطة دلالة قصد التمليك وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يتحقق الا بالتصريح باذن بالقبض لأنه إذا أذن له بالقبض صريحا قام قبضه مقام قبض الواهب فيصير بقبض العين قابضا للواهب أولا يصير المقبوض ملكا له أولا ثم يصير قابضا لنفسه من الواهب فيصير الواهب على هذا التقدير الذي
(١٢٤)