ما لم يثب منها أي ما لم يعوض ولان التعويض دليل على أن مقصود الواهب وهو الوصول إلى العوض فإذا وصل فقد حصل مقصوده فيمنع الرجوع وسواء قل العوض أو كثر لما روينا من الحديث من غير فصل فنقول العوض نوعان متأخر عن العقد ومشروط في العقد أما العوض المتأخر عن العقد فالكلام فيه يقع في موضعين أحدهما في بيان شرط جواز هذا التعويض وصيرورة الثاني عوضا والثاني في بيان ماهية هذا التعويض أما الأول فله شرائط ثلاثة الأول مقابلة العوض بالهبة وهو أن يكون التعويض بلفظ يدل على المقابلة نحو أن يقول هذا عوض من هبتك أو بدل عن هبتك أو مكان هبتك أو نحلتك هذا عن هبتك أو تصدقت بهذا بدلا عن هبتك أو كافأتك أو جازيتك أو أتيتك وما يجرى هذا المجرى لان العوض اسم لما يقابل المعوض فلابد من لفظ يدل على المقابلة حتى لو وهب لانسان شيئا وقبضه الموهوب له ثم إن الموهوب له أيضا وهب شيئا للواهب ولم يقل هذا عوض من هبتك ونحو ذلك ما ذكرنا لم يكن عوضا بل كان هبة مبتدأة ولكل واحد منهما حق الرجوع لأنه لم يجعل الباقي مقابلا بالأول لانعدام ما يدل على المقابلة فكانت هبة مبتدأة فيثبت فيها الرجوع والثاني أن لا يكون العوض في العقد مملوكا بذلك العقد حتى لو عوض الموهوب له الواهب بالموهوب لا يصح ولا يكون عوضا وان عوضه ببعض الموهوب عن باقيه فإن كان الموهوب على حاله التي وقع عليها العقد لم يكن عوضا لان التعويض ببعض الموهوب لا يكون مقصود الواهب عادة إذ لو كان ذلك مقصوده لا مسكه ولم يهبه فلم يحصل مقصوده بتعويض بعض ما دخل تحت العقد فلا يبطل حق الرجوع وإن كان الموهوب تغير عن حاله تغيرا يمنع الرجوع فان بعض الموهوب يكون عوضا عن الباقي لأنه بالتغير صار بمنزلة عين أخرى فصلح عوضا هذا إذا وهب شيئا واحدا أو شيئين في عقد واحد فاما إذا وهب شيئين في عقدين فعوض أحدهما عن الآخر فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة يكون عوضا وقال أبو يوسف لا يكون عوضا (وجه) قول أبى يوسف ان حق الرجوع ثابت في غير ما عوض لأنه موهوب وحق الرجوع في الهبة ثابت شرعا فإذا عوض يقع عن الحق المستحق شرعا فلا يقع موقع العوض بخلاف ما إذا تغير الموهوب فجعل بعضه عوضا عن الباقي انه يجوز وكان مكانا عوضا لان حق الرجوع قد بطل بالتغير فجاز أن يقع موقع العوض (وجه) قولهما انهما ملكا بعقدين متباينين فجاز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وهذا لأنه يجوز أن يكون مقصود الواهب من هبته الثانية عود الهبة الأولى لان الانسان قد يهب شيئا ثم يبدو له الرجوع فصار الموهوب بأحد العقدين بمنزلة عين أخرى بخلاف ما إذا عوض بعض الموهوب عن الباقي هو على حاله التي وقع عليها العقد لان بعض الموهوب لا يكون مقصود الواهب فان الانسان لا يهب شيئا ليسلم له بعضه عوضا عن باقيه وقوله حق الرجوع ثابت شرعا نعم لكن الرجوع في الهبة ليس بواجب فلا يمتنع وقوعه عن جهة أخرى كما لو باعه منه ولو وهب له شيئا وتصدق عليه بشئ فعوضه الصدقة من الهبة كانت عوضا بالاجماع على اختلاف الأصلين (اما) على أصل أبي حنيفة ومحمد رحمها الله فلا يشكل لأنهما لو ملكا بعقدين متفقين لجاز أن يكون أحدهما عوضا عن الآخر فعند اختلاف العقدين أولى (وأما) على أصل أبى يوسف رحمه الله فلان الصدقة لا يثبت فيها حق الرجوع فوقعت موقع العوض والثالث سلامة العوض للواهب فإن لم يسلم بان استحق من يده لم يكن عوضا وله أن يرجع في الهبة لان بالاستحقاق تبين ان التعويض لم يصح فكأنه لم يعوض أصلا فله أن يرجع إن كان الموهوب قائما بعينه لم يهلك ولم يزدد خيرا ولم يحدث فيه ما يمنع الرجوع فإن كان قد هلك أو استهلكه الموهوب له لم يضمنه كما لو هلك أو استهلكه قبل التعويض وكذا إذا ازداد خيرا لم يضمن كما قبل التعويض وان استحق بعض العوض وبقى البعض فالباقي عوض عن كل الموهوب وان شاء رد ما بقي من العوض ويرجع في كل الموهوب إن كان قائما في يده ولم يحدث فيه ما يمنع الرجوع وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر يرجع في الهبة بقدر المستحق من العوض (وجه) قوله إن معنى المعاوضة ثبت من الجانبين جميعا فكما أن الثاني عوض عن الأول فالأول يصير عوضا عن الثاني ثم لو استحق بعض الهبة الأولى كان للموهوب له أن
(١٣٠)