أيضا يخرج الرهن بالكفالة بالنفس فإنه لا يجوز لان المكفول به مما لا يحتمل الاستيفاء من الرهن (فصل) وأما حكم الرهن فنقول وبالله التوفيق الرهن نوعان صحيح وفاسد (أما) الأول فله أحكام بعضها يتعلق بحال قيام المرهون وبعضها يتعلق حال هلاكه (أما) الذي يتعلق بحال قيامه فعندنا ثلاثة الأول ملك حبس المرهون على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك أو ملك العين في حق الحبس على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك وكون المرتهن أحق بحبس المرهون على سبيل اللزوم إلى وقت الفكاك والعبارات متفقة المعاني في متعارف الفقهاء (والثاني) اختصاص المرتهن ببيع المرهون اختصاصه بثمنه وهذان الحكمان أصليان للرهن عندنا (والثالث) وجوب تسليم المرهون عند الافتكاك وقال الشافعي رحمه الله الحكم الأصلي للرهن واحد وهو كون المرتهن أحق ببيع المرهون وأخص بثمنه من بين سائر الغرماء (فاما) حق حبس المرهون فليس بحكم لازم حتى أن المرهون إن كان شيئا يمن الانتفاع به بدون استهلاكه كان للراهن أن يسترده من يد المرتهن فينتفع به فإذا أفرغ من الانتفاع رده إليه وإن كان شيئا لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه كالمكيل والموزون فليس للراهن أن يسترده من يده احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن هو لصاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه أخبر عليه الصلاة والسلام ان الرهن لا يغلق أي لا يحبس وعندكم يحبس فكان حجة عليكم وكذا أضاف عليه الصلاة والسلام الرهن إلى الراهن بلام التمليك وسماه صاحبا له على لاطلاق فيقتضى أن يكون هو المالك للرهن مطلقا رقبة وانتفاعا وحبسا ولان الرهن شرع توثيقا للدين وملك الحبس على سبيل الدوام يضاد معنى الوثيقة لأنه يكون في يده دائما وعسى يهلك فيسقط الدين فكان توهينا للدين لا توثيقا له ولان فيما قلتم تعطيل العين المنتفع بها في نفسها من الانتفاع لان المرتهن لا يجوز له الانتفاع بالرهن أصلا والراهن لا يملك الانتفاع به عندكم فكان تعطيلا والتعطيل تسييب وأنه من أعمال الجاهلية وقد نفاه الله تبارك وتعالى قوله ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة (ولنا) قوله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة أخبر الله تعالى بكون الرهن مقبوضا واخباره سبحانه وتعالى لا يحتمل الخلل فاقتضى أن يكون المرهون مقبوضا ما دام مرهونا ولان الرهن في اللغة عبارة عن الحبس قال الله عز وجل كل امرئ بما كسب رهين أي حبيس فيقتضى أن يكون المرهون محبوسا ما دام مرهونا ولو لم يثبت ملك الحبس على الدوام لم يكن محبوسا على الدوام فلم يكن مرهونا ولان الله تعالى لما سمى العين التي ورد العقد عليها رهنا وأنه ينبئ عن الحبس لغة كان ما دل عليه اللفظ لغة حكما له شرعا لان للأسماء الشرعية دلالات على أحكامها كلفظ الطلاق والعتاق والحوالة والكفالة ونحوها ولان الرهن شرع وثيقة بالدين فيلزم أن يكون حكمه ما يقع به التوثيق للدين كالكفالة وإنما يحصل التوثيق إذا كان يملك حبسه على الدوام لأنه يمنعه عن الانتفاع فيحمله ذلك على قضاء الدين في أسرع الأوقات وكذا يقع الامن عن تواء حقه بالجحود والانكار على ما عرف ولا حجة له في الحديث لان معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا يغلق الرهن أي لا يملك بالدين كذا قاله أهل اللغة غلق الرهن أي ملك بالدين وهذا كان حكما جاهليا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام هو لصاحبه الذي رهنه تفسير لقوله لا يغلق الرهن وقوله عليه الصلاة والسلام له غنمه أي زوائده وعليه غرمه أي نفقته وكنفه وقوله إن ما شرع له الرهن لا يحصل بما قلتم لأنه يتوى حقه بهلاك الرهن قلنا على أحد الطريقين لا يتوى بل يصير مستوفيا والاستيفاء ليس بهلاك الدين (أما) على الطريق الآخر فالهلاك ليس بغالب بل قد يكون وقد لا يكون وإذا هلك فالهلاك ليس يضاف إلى حكم الرهن لان حكمه ملك الحبس لا نفس الحبس وقوله فيه تسييب ممنوع فان بعقد الرهن مع التسليم يصير الراهن موفيا دينه في حق الحبس والمرتهن يصير مستوفيا في حق الحبس والايفاء والاستيفاء من منافع الرهن وإذا عرف حكم الرهن في حال قيامه فيخرج عليه المسائل المتعلقة به (أما) على الحكم الأول وهو ملك الحبس فالمسائل المتعلقة بهذا الحكم بعضها يتعلق بنفس الحكم وبعضها يتعلق بكيفيته أما الذي يتعلق بنفس الحكم فنقول وبالله التوفيق
(١٤٥)