بالاشهاد بخلاف سائر الشهادات لان تحمل الشاهد في سائرها بطريق الإحالة بنفسه لا بغيره فيصح التحمل فيها بطريق المعاينة ومنها الاشهاد على شهادته حتى لو قال اشهد بمثل ما شهدت أو كما شهدت أو على ما شهدت لا يصح التحمل ما لم يقل على شهادتي لان معنى التحمل والإنابة لا يحصل الا بالاشهاد على شهادته ومنها عدد التحمل وهو ان يتحمل من كل واحد من شاهدي الأصل اثنان حتى لو تحمل من أحدهما واحد وتحمل من الآخر واحد لا يصح التحمل لان الشهادة حق ثابت في ذمة الشاهد والحقوق الثابتة في الذمم لا ينقلها إلى القاضي الا شاهدان ولو تحمل اثنان من أحدهما شهادته ثم تحملا من الا آخر شهادته جاز التحمل لأنه اجتمع على التحمل من كل واحد منهما شاهدان فاما الذكورة في تحمل هذه الشهادة فليست بشرط حتى يصح التحمل فيها من النساء (وأما) صورة أداء هذه الشهادة فلها لفظان أيضا مختصر ومطول فالمختصر أن يقول شهد فلان عندي ان لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته بذلك فانا أشهد على شهادته بذلك وأما المطول فهو أن يقول شهد عندي فلان ان لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته بذلك وأمرني ان أشهد على شهادته بذلك وأنا أشهد الآن على شهادته بذلك ولو لم يقل وأمرني ان أشهد على شهادته بذلك جاز لان معنى التحمل والإنابة يتأدى بقوله أشهدني على شهادته فكان قوله أمرني بذلك من باب التأكيد وأما شرائطها فما ذكرناه كسائر الشهادات والذي يختص بهذه الشهادة أن يكون المشهود عليه ميتا أو غائبا مسيرة سفرا ومريضا لا يستطيع يحضر مجلس القضاء لأن جواز هذه الشهادة للحاجة والضرورة ولا تتحقق الضرورة الا في هذه المواضع وأما الذكورة فليست بشرط لأداء هذه الشهادة فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال لقوله تبارك وتعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء فظاهر النص يقتضى أن يكون للنساء مع الرجال شهادة على الاطلاق من غير فصل الا ما قيد بدليل ولان قضية القياس ان لا تشترط الذكورة والأصل في عمومات الشهادات الا ان اشتراط الذكورة في شهادة الأصول على الحدود والقصاص ثبت بنص خاص وهو حديث الزهري رحمه الله لتمكن شبهة في شهادتين ليست في شهادة الرجال واشتراط الأصالة في الشهادة لتمكن زيادة شبهة في شهادة الفروع ليست في شهادة الأصول وهو الشبهة في الشهادتين على ما ذكرنا فشرط ذلك احتيالا لدرء ما يندرئ بالشبهات والأموال والحقوق مما ثبت بالشبهة فثبتت على أصل القياس والله سبحانه وتعالى أعلم (فصل) وأما بيان ما يلزم الشاهد بتحمل الشهادة فالذي يلزمه أداء الشهادة لله سبحانه وتعالى فيما سوى أسباب الحدود لقوله تعالى وأقيموا الشهادة لله وقوله عز شأنه كونوا قوامين بالقسط شهداء لله الا ان في الشهادة القائمة على حقوق العباد وأسبابها لابد من طلب المشهود له لوجوب الأداء فإذا طلب وجب عليه الأداء حتى لو امتنع بعد الطلب يأثم لقوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أي دعو الأداء الشهادة لان الشهادة أمانة المشهود له في ذمة الشاهد وقال سبحانه وتعالى وليؤد الذي أو تمن أمانته وقال تعالى جل شأنه ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأما في حقوق الله تبارك وتعالى وفيما سوى أسباب الحدود نحو طلاق امرأة واعتاق عبد والظهار والايلاء ونحوها من أسباب الحرمات تلزمه الإقامة حسبة لله تبارك وتعالى عند الحاجة إلى الإقامة من غير طلب من أحد من العباد وأما في أسباب الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخير بين ان يشهد حسبة لله تعالى وبين ان يستر لان كل واحد منهما أمر مندوب إليه قال الله تبارك وتعالى وأقيموا الشهادة لله وقال عليه الصلاة والسلام من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة وقد ندبه الشرع إلى كل واحد منهما ان شاء اختار جهة الحسبة فأقامها الله تعالى وان شاء اختار جهة الستر فيستر على أخية المسلم (فصل) وأما بيان حكم الشهادة فحكمها وجوب القضاء على القاضي لان الشهادة عند استجماع شرائطها مظهرة للحق والقاضي مأمور بالقضاء بالحق قال الله تبارك وتعالى يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وثبوت ما يترتب عليها من الأحكام
(٢٨٢)