بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الصلح وفي بيان ما يبطل به عقد الصلح بعد وجوده وفي بيان حكمه إذا بطل أولم يصح من الأصل (أما) الأول فنقول وبالله التوفيق الصلح في الأصل أنواع ثلاثة صلح عن اقرار المدعى عليه وصلح عن إنكاره وصلح عن سكوته من غير اقرار ولا انكار وكل نوع من ذلك لا يخلو اما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه وإما أن يكون بين المدعى والأجنبي المتوسط فإن كان بين المدعى والمدعى عليه فكل واحد من الأنواع الثلاثة مشروع عند أصحابنا وقال ابن أبي ليلى المشروع هو الصلح عن اقرار وسكوت لا غيرهما وقال الشافعي رحمه الله المشروع هو الصلح عن اقرارا لا غير (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان جواز الصلح يستدعى حقا ثابتا ولم يوجد في موضع الانكار والسكوت اما في الانكار فلان الحق لو ثبت فإنما يثبت بالدعوى وقد عارضها الانكار فلا يثبت الحق عند التعارض فاما في السكوت فلان الساكت ينزل منكرا حكما حتى تسمع عليه البينة فكان انكاره معارضا لدعوى المدعى فلم يثبت الحق ولو بذل المال لبذله لفع خصومة باطلة فكان في معنى الرشوة (ولنا) ظاهر قوله تعالى والصلح خير وصف الله تعالى عز شأنه جنس الصلح بالخيرية ومعلوم ان الباطل لا يوصف بالخيرية فكان كل صلح مشروعا بظاهر هذا النص الا ما خص بدليل وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يورث بينهم الضغائن أمر رضي الله عنه برد الخصوم إلى الصلح مطلقا وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد فيكون اجماعا من الصحابة فيكون حجة قاطعة ولان الصلح شرع للحاجة إلى قطع الخصومة والمنازعة والحاجة إلى قطعها في التحقيق عند الانكار إذا لا قرار مسالمة ومساعدة فكان أولى بالجواز لهذا قال أبو حنيفة رحمه الله أجوز ما يكون الصلح على الانكار وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي رحمه الله ما صنع الشيطان من ايقاع العداوة والبغضاء في بني آدم ما صنع الشافعي رحمه الله في إنكاره الصلح على الانكار وقوله إن الحق ليس بثابت قلنا هذا على الاطلاق ممنوع بل الحق ثابت في زعم المدعى وحق الخصومة واليمين ثابتان له شرعا فكان هذا صلحا عن حق ثابت فكان مشروعا (فصل) وأما ركن الصلح فالايجاب والقبول وهو أن يقول المدعى عليه صالحتك من كذا على كذا أو من دعواك كذا على كذا ويقول الآخر قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله ورضاه فإذا وجد الايجاب والقبول فقد تم عقد الصلح.
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى المصالح وبعضها يرجع إلى المصالح عليه وبعضها يرجع إلى المصالح عنه (أما) الذي يرجع إلى المصالح فأنواع (منها) أن يكون عاقلا وهذا شرط عام في جميع التصرفات كلها فلا يصح صلح المجنون والصبي الذي لا يعقل لانعدام أهلية التصرف بانعدام العقل (فاما) البلوغ فليس بشرط حتى يصح صلح الصبي في الجملة وهو الصبي المأذون إذا كان له فيه نفع أولا يكون له فيه ضرر ظاهر بيان ذلك إذا وجب للصبي المأذون على إنسان دين فصالحة على بعض حقه فإن لم يكن له عليه بينه جاز الصلح لان عند انعدام البينة لا حق له الا الخصومة والحلف والمال أنفع لها منهما وإن كان له عليه بينة لا يجوز الصلح لان الحط تبرع وهو لا يملك التبرعات ولو أخر الدين جاز سواء كانت له بينة أو الا فرقا بينه وبين الصلح لان تأخير الدين من أعمال التجارة والصبي المأذون في التجارات كالبالغ ألا ترى أنه يملك التأجيل في نفس العقد بان يبيع بأجل فيملكه متأخرا عن العقد أيضا بخلاف الحط لأنه ليس من التجارة بل هو تبرع فلا يملكه الا أنه يملك حط بعض الثمن لا جل العيب لان حط بعض الثمن للعيب قد يكون أنفع من أخذ المبيع المعيب فكان ذلك من باب التجارة فيملكه ولو صالح الصبي المأذون من المسلم فيه على رأس المال جاز لان الصلح من المسلم فيه على رأس المال إقالة للعقد والإقالة من باب التجارة وكذلك لو اشترى سلعة وظهر بها عيب فصالح البائع على أن قبلها جاز لان الثمن أنفع من المبيع المعيب عادة ولو صالحه البائع فحط عنه بعض الثمن لا شك فيه أنه يجوز لان الحط من البائع تبرع منه على الصبي فيصح ولو ادعى انسان