أحدهما دراهم والآخر دنانير فان زادت قيمة أحدهما قبل الشراء بطلت المفاوضة لما قلنا لان عقد الشركة يقف تمامه على الشراء فكان الموجود قبل الشراء كالموجود وقت العقد كالبيع لما كان تمامه بالقبض كان هلاك المبيع قبل القبض كهلاكه وقت العقد والزيادة وقت العقد تمنع من الانعقاد فإذا طرأ عليه يبطله قال محمد وكذلك لو اشترى بأحد المالين ثم ازداد الآخر لان الشركة لا تتم ما لم يشتر بالمال فصار كان الزيادة كانت وقت العقد فان زاد المال المشترى في قيمته كانت المفاوضة بحالها لان تلك الزيادة تحدث على ملكها لأنها ربح في المال المشترى فلا يفضل أحدهما على الآخر قال محمد رحمه الله القياس إذا اشترى بأحد المالين قبل صاحبه انه تنتقض المفاوضة لان الألف التي لم يشتر بها بقيت على ملك صاحبها وقد ملك صاحبها نصف ما اشتراه الاخر فصار ماله أكثر فينبغي أن تبطل المفاوضة الا انهم استحسنوا وقالوا لا تبطل لان الذي اشترى وجب له على شريكه نصف الثمن دينا فلم ينفضل المال فلا تبطل المفاوضة والله عز وجل أعلم * (كتاب المضاربة) * يحتاج في هذا الكتاب إلى معرفة جواز هذا العقد وإلى معرفة ركنه والى معرفة شرائط الركن وإلى معرفة حكمه والى معرفة صفة العقد والى معرفة ما يبطل به ومعرفة حكمه إذا بطل وإلى بيان حكم اختلاف رب المال والمضارب (اما) الأول فالقياس انه لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والاجماع (اما) الكتاب الكريم فقوله عز شأنه وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله والمضارب يضرب في الأرض يبتغى من فضل الله عز وجل وقوله سبحانه وتعالى فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم (وأما) السنة فما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان سيدنا العباس بن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشترى به دابة ذات كبدرطبة فان فعل ذلك ضمن فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز شرطه وكذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاقدون المضاربة فلم ينكر عليهم وذلك تقرير لهم على ذلك والتقرير أحد وجوه السنة (وأما) الاجماع فإنه روى عن جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم انهم دفعوا مال اليتيم مضاربة منهم سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبيد الله ابن عمر وسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل انه أنكر عليهم من أقرانهم أحدو مثله يكون اجماعا وروى أن عبد الله وعبيد الله ابني سيدنا عمر قدما العراق وأبو موسى الأشعري أمير بها فقال لهما لو كان عندي فضل لأكرمتكما ولكن عندي مال لبيت المال أدفعه إليكما فابتاعا به متاعا واحملاه إلى المدينة وبيعاه وادفعا ثمنه إلى أمير المؤمنين فلما قدما المدينة قال لهما سيدنا عمر رضي الله عنه هذا مال المسلمين فاجعلا ربحه لهم فسكت عبد الله وقال عبيد الله ليس لك ذلك لو هلك منا لضمنا فقال بعض الصحابة يا أمير المؤمنين اجعلهما كالمضاربين في المال لهما النصف ولبيت المال النصف فرضى به سيدنا عمر رضي الله عنه وعلى هذا تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في سائر الأعصار من غير إنكار من أحدو اجماع أهل كل عصر حجة فترك به القياس ونوع من القياس يدل على الجواز أيضا وهو ان الناس يحتاجون إلى عقد المضاربة لان الانسان قد يكون له مال لكنه لا يهتدى إلى التجارة وقد يهتدى إلى التجارة لكنه لا مال له فكان في شرع هذا العقد دفع الحاجتين والله تعالى ما شرع العقود الا لمصالح العباد ودفع حوائجهم (فصل) وأما ركن العقد فالايجاب والقبول وذلك بألفاظ تدل عليهما فالايجاب هو لفظ المضاربة المقارضة والمعاملة ما يؤدى معاني هذه الألفاظ بأن يقول رب المال خذ هذا المال مضاربة على أن ما رزق الله عز وجل
(٧٩)