* (كتاب المفقود) * الكلام في المفقود يقع في أربعة مواضع في تفسير المفقود وفي بيان حاله وفي بيان ما يصنع بماله وفي بيان حكم ماله (أما) الأول فالمفقود اسم لشخص غاب عن بلده ولا يعرف خبره أنه حي أم ميت (فصل) وأما حال المفقود فعبارة مشايخنا رحمهم الله عن حاله انه حي في حق نفسه ميت في حق غيره والشخص الواحد لا يكون حيا وميتا حقيقة لما فيه من الاستحالة ولكن معنى هذه العبارة انه تجرى عليه أحكام الاحياء فيما كان له فلا يورث ماله ولا تبين امرأته كأنه حي حقيقة وتجرى عليه أحكام الأموات فيما لم يكن له فلا يرث أحدا كأنه ميت حقيقة لان الثابت باستصحاب الحال يصلح لابقاء ما كان ولا يصلح لا ثبات ما لم يكن وملكه في أحكام أمواله ونسائه أمر قد كان واستصحبنا حال الحياة لابقائه وأما ملكه في مال غيره فأمر لم يكن فتقع الحاجة إلى الاثبات واستصحاب الحال لا يصلح حجة لاثبات ما لم يكن وتحقيق العبارة عن حاله أن حاله غير معلوم يحتمل انه حي ويحتمل انه ميت وهذا يمنع التوارث والبينونة لأنه إن كان حيا يرث أقاربه ولا يرثونه ولا تبين امرأته وإن كان ميتا لا يرث أقاربه ويرثونه والإرث من الجانبين أمر لم يكن ثابتا بيقين فوقع الشك في ثبوته فلا يثبت بالشك والاحتمال وكذلك البينونة على الأصل المعهود في الثابت بيقين لا يزول بالشك وغير الثابت بيقين لا يثبت بالشك فإذا مات واحد من أقاربه يوقف نصيبه إلى أن يظهر حاله انه حي أم ميت لاحتمال الحياة والموت للحال حتى أن من هلك وترك ابنا مفقودا وابنتين وابن ابن وطلبت الا بنتان الميراث فان القاضي يقضى لهما بالنصف ويوقف النصف الثاني إلى أن يظهر حاله لأنه إن كان حيا كان له النصف والنصف للابنتين ولا شئ لابن الابن وإن كان ميتا كان للابنتين الثلثان والباقي لابن الابن فكان استحقاق النصف للابنتين ثابتا بيقين فيدفع ذلك إليهما ويوقف النصف الآخر إلى أن يظهر حاله فإن لم يظهر حتى مضت المدة التي يعرف فيها موته يدفع الثلثان إليهما والباقي لابن الابن وكذا لو أوصى له بشئ يوقف وكذا إذا فقد المرتد ولا يدرى انه لحق بدار الحرب أم لا توقف تركته كالمسلم (فصل) وأما بيان ما يصنع بماله فالذي يصنع أنواع منها أن القاضي يحفظ ماله يقيم من ينصبه للحفظ لأنه مال لا حافظ له لعجز صاحبه عن الحفظ فيحفظ عليه القاضي نظرا له كما يحفظ مال الصبي والمجنون الذي لاولى لهما ومنها انه يبيع من ماله ما يتسارع إليه الفساد ويحفظ ثمنه لان ذلك حفظ له معنى ولا يأخذ ماله الذي في يد مودعه ومضاربه ليحفظه لان يدهما يد نيابة عنه في الحفظ فكان محفوظا بحفظه معنى فلا حاجة إلى حفظ القاضي ومنها انه ينفق على زوجته من ماله إن كان عالما بالزوجية لان الانفاق عليها احياء لها فكان من باب حفظ ملك الغائب عليه عند عجزه عن الحفظ بنفسه فيملكه كما يملك حفظ ماله ومنها انه ينفق من ماله على أولاده الصغار الذكور والإناث وعلى أولاده الفقراء الزمني من الذكور والفقيرات من الإناث سواء كن زمني أولا وعلى والديه المحتاجين إن كان عالما بالنسب لان نفقة أولاده إنما تجب بحكم الجزئية والبعضية احياء لهم واحياء نفسه واجب فكذا احياء جزئه وكله فكان الانفاق عليهم من ماله احياء لهم معنى وهو عاجز عن ذلك بنفسه فيقوم به القاضي وان لم يعلم القاضي بالزوجية والنسب فأحضروا رجلا في يده مال وديعة للمفقود أو مضاربة أو عليه دين له فاقر الرجل بذلك وبالزوجية والنسب أنفق عليهم من ذلك المال لان للمرأة أن تأخذ نفقتها من مال زوجها إذا ظفرت به قدر ما يكفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فإذا أقر ان هذا ماله وهذه امرأته ثبت لها حق الاخذ وكذا في الأولاد يأخذ البعض كفايته من مال البعض عند الحاجة فإذا أقر بالنسب والمال فقد ثبت لهم حق الاخذ وهذا قول أصحابنا الثلاثة رضي الله عنه وعند زفر رحمه الله ليس للقاضي ذلك لكونه قضاء على الغائب ونحن نقول ليس هذا من باب القضاء على الغائب بل هو من باب النظر للغائب وللقاضي ولاية النظر للغائب لما علم على ما ذكرنا في كتاب النفقات ولو أخذ القاضي منهم كفيلا كان حسنا لجواز ان يحضر المفقود فيقيم البينة على أنه كان طلق امرأته أو
(١٩٦)