* (كتاب الوديعة) * الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن العقد وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم العقد وفي بيان حال المعقود عليه وفي بيان ما يوجب تغير حاله (أما) ركنه فهو الايجاب والقبول وهو أن يقول لغيره أودعتك هذا الشئ أو احفظ هذا الشئ لي أوخذ هذا الشئ وديعة عندك وما يجرى مجراه ويقبله الآخر فإذا وجد ذلك فقد تم عقد الوديعة (فصل) وأما شرائط الركن فأنواع (منها) عقل المودع فلا يصح الايداع من المجنون والصبي الذي لا يعقل لان العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية (وأما) بلوغه فليس بشرط عندنا حتى يصح الايداع من الصبي المأذون لان ذلك مما يحتاج إليه التاجر فكان من توابع التجارة فيملكه الصبي المأذون كما يملك التجارة وعند الشافعي رحمه الله لا يملك التجارة فلا يملك توابعها على ما نذكر في كتاب المأذون وكذا حريته ليست بشرط فيملك العبد المأذون الايداع لما قلنا في الصبي المأذون (ومنها) عقل المودع فلا يصح قبول الوديعة من المجنون والصبي الذي لا يعقل لان حكم هذا العقد هو لزوم الحفظ ومن لا عقل له لا يكون من أهل الحفظ (وأما) بلوغه فليس بشرط حتى يصح قبول الوديعة من الصبي المأذون لأنه من أهل الحفظ ألا ترى انه أذن له الولي ولو لم يكن من أهل الحفظ لكان الاذن له سفها (وأما) الصبي المحجور عليه فلا يصح قبول الوديعة منه لأنه لا يحفظ المال عادة ألا ترى انه منع منه ماله ولو قبل الوديعة فاستهلكها فإن كانت الوديعة عبدا أو أمة يضمن بالاجماع وإن كانت سواهما فان قبلها بإذن الولي فكذلك وأن قبلها بغير اذنه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يضمن (وجه) قوله أن ايداعه لو صح فاستهلك الوديعة يوجب الضمان وان لم يصح جعل كأنه لم يكن فصار الحال بعد العقد كالحال قلبه ولو استهلكها قبل العقد لوجب عليه الضمان إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة (وجه) قولهما أن إيداع الصبي المحجور الهلاك للمال معنى فكان فعل الصبي اهلاك مال قائم صورة لا معنى فلا يكون مضمونا عليه ودلالة ما قلنا إنه لما وضع المال في يده فقد وضع في يدمن لا يحفظه عادة ولا يلزمه الحفظ شرعا ولا شك انه لا يجب عليه حفظ الوديعة شرعا لان الصبي ليس من أهل وجوب الشرائع عليه والدليل على أنه لا يحفظ الوديعة عادة انه منع عنه ماله ولو كان يحفظ المال عادة لدفع إليه قال الله تبارك وتعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وبهذا فارق المأذون لأنه يحفظ المال عادة ألا ترى انه دفع إليه ماله ولو لم يوجد منه الحفظ عادة لكان الدفع إليه سفها بخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة لان هناك لا يجب عليه ضمان المال أيضا وإنما يجب عليه ضمان الدم لأن الضمان الواجب بقتل العبد ضمان الآدمي لا ضمان المال والعبد من حيث إنه آدمي قائم من كل وجه قبل الايداع وبعده فهو الفرق وكذلك حرية المودع ليست بشرط لصحة العقد حتى يصح القبول من العبد المأذون ويترتب عليه أحكام العقد لأنه يحتاج إلى الايداع والاستيداع على ما نذكر في كتاب المأذون (وأما) العبد المحجور فلا يصح منه القبول لأنه لا يحفظ المال عادة ولو قبلها فاستهلكها فإن كانت عبدا أو أمة يؤمر المولى بالدفع أو الفداء وإن كانت سواهما فان قبلها بإذن وليه يضمن بالاجماع وان قبلها بغير اذن وليه لا يؤاخذ به في الحال عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يؤاخذ به في الحال والكلام في الطرفين على حسب ما ذكرنا في الصبي المحجور (فصل) وأما بيان حكم العقد فحكمه لزوم الحفظ للمالك لان الايداع من جانب المالك استحفاظ ومن جانب المودع التزام الحفظ وهو من أهل الالتزام فيلزمه لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم والكلام في الحفظ في موضعين أحدهما فيما يحفظ به والثاني فيما فيه يحفظ (أما) الأول فالاستحفاظ لا يخلو من أن يكون مطلقا أو مقيدا فإن كان مطلقا فللمودع أن يحفظ بيد نفسه ومن هو في عياله وهو الذي يسكن معه ويمونه فيكفيه
(٢٠٧)