دينا وهبة الدين ممن عليه الدين جائز لأنه اسقاط الدين عنه وانه جائز في المشاع (وأما) حديث الكبة فيحتمل ان النبي عليه الصلاة والسلام وهب نصيبه منه واستوهب البقية من أصحاب الحقوق فوهبوا وسلموا الكل جملة وفي الحديث ما يدل عليه فإنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأسلمك الباقي وما كان هو عليه الصلاة والسلام ليخلف في وعده وهبة المشاع على هذا السبيل جائزة عندنا على أن ذلك كان هبة مشاع لا ينقسم من حيث المعنى لان كبة واحدة لو قسمت على الجم الغفير لا يصيب كلا منهم الا نزر حقير لا ينتفع به فكان في معنى مشاع لا ينقسم (وأما) حديث أسعد بن زرارة فحكاية حال يحتمل أنه وهب نصيبه وشريكاه وهبا نصيبهما منه وسموا الكل جملة وهذا جائز عندنا ويحتمل ان الانصباء كانت مقسومة مفرزة ويجوز أن يقال في مثل هذا بينهم إذا كانت الجملة متصلة بعضها ببعض كقرية بين جماعة انها تضاف إليهم وإن كانت أنصباؤهم مقسومة واحتمل بخلافه فلا يكون حجة مع الاحتمال لان حكاية الحال لا عموم له ولو قسم ما وهب وأفرزه ثم سلمه إلى الموهوب له جاز لان هبة المشاع عندنا منعقد موقوف نفاذه على القسمة والقبض بعد القسمة هو الصحيح إذ الشيوع لا يمنع ركن العقد ولا حكمه وهو الملك ولا سائر الشرائط الا القبض الممكن من التصرف فإذا قسم وقبض فقد زال المانع من النفاذ فينفذ وحديث الصديق رضي الله عنه لا يدل عليه فإنه قال لسيدتنا عائشة رضي الله عنها انى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي وكان ذلك هبة المشاع فيما ينقسم لان النحل من ألفاظ ولو لم ينعقد لما فعله الصديق رضي الله عنه لأنه ما كان ليعقد عقدا باطلا فدل قول الصديق رضي الله عنه على انعقاد العقد في نفسه وتوقف حكمه على القسمة والقبض وهو عين مذهبنا والله عز وجل أعلم وكذلك لو وهب نصف داره من رجل ولم يسلم إليه ثم وهب منه النصف الآخر وسلم إليه جملة جاز لما قلنا ولو وهب منه نصف الدار وسلم إليه بنحلية الكل ثم وهب منه النصف الآخر وسلم لم تجز الهبة لان كل واحد منهما هبة المشاع وهبة المشاع فيما يقسم لا تنفذ الا بالقسمة والتسليم ويستوى فيه الجواب في هبة المشاع بين أن يكون من أجنبي أو من شريكه كل ذلك يجوز لقول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا تجوز الهبة الا مقبوضة محوزة من غير فصل ولان المانع هو الشياع عند القبض وقد وجد وعلى هذا الخلاف صدقة المشاع فيما ينقسم أنه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله (وجه) قوله إن الشياع لا يمنع حكم التصرف وهو الملك ولا شرطه وهو القبض ولا يمنع جوازه كالمفروض (ولنا) ان القبض شرط جواز الصدقة ومعنى القبض لا يتحقق في الشائع أو لا يتكامل فيه لما بينا في الهبة ولان التصديق تبرع كالهبة وتصحيحه في المشاع يصيرها عقد ضمان فيتغير المشروع على ما بينا في الهبة ولو وهب شيئا ينقسم من رجلين كالدار والدراهم والدنانير ونحوها وقبضاه لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند أبي يوسف ومحمد وأجمعوا على أنه لو وهب رجلان من واحد شيئا ينقسم وقبضه أنه يجوز فأبو حنيفة يعتبر الشيوع عند القبض وهما يعتبر انه عند العقد والقبض جميعا فلم يجوز أبو حنيفة هبة الواحد من اثنين لوجود الشياع وقت القبض وهما جوازها لأنه لم يوجد الشياع في الحالين بل وجد أحدهما دون الآخر وجوز واهبة الاثنين من واحد (أما) أبو حنيفة رحمه الله فلعدم الشيوع في وقت القبض (وأما) هما فلانعدامه في الحالين لأنه وجد عند العقد ولم يوجد عند القبض ومدار الخلاف بينهم على حرف وهو ان هبة الدار من رجلين تمليك كل الدار جملة أو تمليك من أحدهما والنصف من الآخر فعند أبي حنيفة تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر فيكون هبة المشاع فيما ينقسم كأنه أفرد تمليك كل نصف من كل واحد منهما بعقد على حدة وعند هما هي تمليك الكل منهما لا تمليك النصف من هذا والنصف من ذلك فلا يكون تمليك الشائع فيجوز (وجه) قولهما ان العمل بموجب الصيغة هو الأصل وذلك فيما قلنا لان قوله وهبت هذه الدار كلها هبة كل الدار جملة منهما لا هبة النصف من أحدهما والنصف من الآخر لان ذلك توزيع وتفريق واللفظ لا يدل عليه ولا يجوز العدول عن موجب اللفظ لغة الا لضرورة الصحة وفي العدول عن ظاهر الصيغة ههنا فساد العقد بسبب الشيوع فوجب العمل بظاهر الصيغة وهو تمليك الكل منهما وموجب التمليك
(١٢١)