بموهوبة لانعدام ورود العقد عليها ومنها خروج الموهوب من مالك الواهب باي سبب كان من البيع والهبة والموت ونحوها لان الملك يختلف بهذه الأشياء أما بالبيع والهبة ونحوهما فظاهر وكذا بالموت لان الثابت للوارث غير ما كان ثابتا للمورث حقيقة لان الملك عرض يتجدد في كل زمان الا انه مع تجدده حقيقة جعل متجددا تقديرا في حق المحل حتى يرد الوارث بالعيب ويرد عليه فيجب العمل بالحقيقة في حق المالك فاختلف الملكان واختلاف الملكين بمنزلة اختلاف العينين ثم لو وهب عينا لم يكن له ان يرجع في عين أخرى فكذا إذا أوجبه ملكا لم يكن له ان يفسخ ملكا آخر بخلاف ما إذا وهب لعبد رجل هبة فقبضها العبدان للواهب ان يرجع فيها لان الملك هناك لم يختلف لان الهبة انعقدت موجبة للملك للمولى ابتداء فلم يختلف الملك وكذا المكاتب إذا وهب له هبة وقبضها فللواهب ان يرجع لما قلنا وكذلك أعتق المكاتب لان الملك الذي أوجبه بالهبة قد استقر بالعتق فكأنه وهب له بعد العتق فان عجز المكاتب ورد في الرق فللواهب ان يرجع عند أبي يوسف وعند محمد ليس له ان يرجع وهذا بناء على أن المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة فالمولى يملك اكسابه بحكم الملك الأول أو يملكها ملكا مبتدأ فعند أبو يوسف يملكها بحكم الملك الأول فلم يختلف الملك فكان له ان يرجع وعند محمد يملكها ملكا مبتدأ فاختلف الملك فمنع الرجوع (وجه) قول محمدان ملك الكسب للمولى قد بطل بالكتابة لان المكاتب صار أحق باكسابه بالكتابة فبطل ملك المولى بالكسب والباطل لا يحتمل العود فكان هذا ملكا مبتدأ فيمنع الرجوع كملك الوارث (وجه) قول أبى يوسف ان سبب ثبوت ملك الكسب هو ملك الرقبة وملك الرقبة قائم بعد الكتابة الا انه امتنع ظهور ملك الكسب للمولى لضرورة التوصل إلى المقصود من الكتابة في جانب المكاتب وهو شرف الحرية بأداء بدل الكتابة فإذا عجز زالت الضرورة وظهر ملك الكسب تبعا لملك الرقبة فلم يكن هذا ملكا مبتدأ ومنها موت الواهب لان الوارث لم يوجب الملك للموهوب له فكيف يرجع في ملك لم يوجبه ومنها الزيادة في الموهوب زيادة متصله فنقول جملة الكلام في زيادة الهبة انها لا تخلو إما إن كانت متصلة بالأصل وإما إن كانت منفصلة عنه فإن كانت متصلة بالأصل فإنها تمنع الرجوع سواء كانت الزيادة بفعل الموهوب له أولا بفعله وسواء كانت متولدة أو غير متولدة نحو ما إذا كان الموهوب جارية هزيلة فسمنت أو دارا فبنى فيها أو أرضا فغرس فيها غرسا أو نصب دولابا وغير ذلك ما يستقى به وهو مثبت في الأرض مبنى عليها على وجه يدخل في بيع الأرض من غير تسمية قليلا كان أو كثيرا أو كان الموهوب ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران أو قطعة قميصا وخاطه أو جبة وحشاه أو قباء لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الأصل مع الزيادة لان الزيادة ليست بموهوبة إذ لم يرد عليها العقد فلا يجوز ان يرد عليها الفسخ ولا سبيل إلى الرجوع في الأصل بدون الزيادة لأنه غير ممكن فامتنع الرجوع أصلا وان صبغ الثوب بصبغ لا يزيد فيه أو ينقصه فله ان يرجع لان المانع من الرجوع هو الزيادة فإذا لم يزده الصبغ في القيمة التحقت الزيادة بالعدم وإن كانت الزيادة منفصلة فإنها لا تمنع الرجوع سواء كانت متولدة من الأصل كالولد واللبن والتمر أو غير متولدة كالأرش والعقر والكسب والغلة لأن هذه الزوائد لم يرد عليها العقد فلا يرد عليها الفسخ وإنما ورد على الأصل ويمكن فسخ العقد في الأصل دون الزيادة بخلاف المتصلة وبخلاف ولد المبيع انه يمنع الرد بالغيب لان المانع هناك هو الربا لأنه يبقى الولد بعد رد الام بكل الثمن مبيعا مقصودا لا يقابله عوض وهذا تفسير الربا ومعنى الربا لا يتصور في الهبة لان جريان الربا يختص بالمعاوضات فجاز ان يبقى الولد موهوبا مقصودا بلا عوض بخلاف المبيع وكذا الزيادة في سعر لا تمنع الرجوع لأنه تعلق لها بالموهوب وإنما هي رغبة يحدثها الله تعالى في القلوب فلا تمنع الرجوع ولهذا لم تعتبر هذه الزيادة في أصول الشرع فلا تغير ضمان الرهن ولا الغصب ولا تمنع الرد بالعيب وأما نقصان الموهوب فلا يمنع الرجوع لان ذلك رجوع في بعض الموهوب وله ان يرجع في بعض الموهوب مع بقائه بكماله فكذا إذا نقص ولا يضمن الموهوب له النقصان لان قبض الهبة ليس بقبض مضمون ومنها العوض لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الواهب أحق بهبته
(١٢٩)