وإن كانت المراد تزويجها ثيبا نظرت فان ذهبت بكارتها بالوطئ في نكاح أو ملك أو شبهة. فإن كانت بالغا لم يجز لاحد من الأولياء إجبارها على النكاح سواء كان الولي أبا أو جدا أو غيرهما، لما روى أن خنساء بنت خدام الأنصارية زوجها أبوها وهي ثيب، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس للولي مع الثيب أمر. قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع لا خلاف فيه. ولا يصح نكاحها إلا باذنها، ولا يصح إذنها إلا بنطقها مع قدرتها على النطق لقوله صلى الله عليه وسلم: والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها. فلما جعل اذن البكر الصمت دل على أن اذن الثيب بالنطق، فإن كانت خرساء وأشارت إلى الاذن بما يفهم منها صح تزويجها، وإن كانت الثيب صغيرة لم يجز لاحد من الأولياء تزويجها قبل البلوغ، سواء كان الولي أبا أو جدا أو غيرهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز للأب والجد وغيرهما من الأولياء اجبارها على النكاح، والاجبار عندهم يختلف بصغر المنكوحة وكبرها، وعندنا يختلف ببكارتها وثيوبتها.
دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ليس للولي مع الثيب أمر، ولم يفرق، ولأنها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع فلم تجبر على النكاح كالثيب الكبيرة.
وقولنا (حرة) احتراز من الأمة، وقولنا سليمة احتراز من المجنونة: وقولنا بجماع احتراز ممن ذهبت بكارتها بوثبة أو غيرها (فرع) وان ذهبت بكارتها بالزنا فهو كما لو ذهبت بالجماع في النكاح، فيكون حكمها حكم الثيب في الاذن. وقال أبو حنيفة: حكمها حكم البكر. دليلنا أنها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع، فهو كما لو ذهبت بنكاح وان ذهبت بكارتها بوثبة أو تعنيس ففيه وجهان:
(أحدهما) حكمها حكم الموطوءة بنكاح لأنها ثيب (والثاني) حكمها حكم البكر في الاذن، وهو المذهب، لان الثيب إنما اعتبر اذنها بالنطق لذهاب الحياء بالوطئ وهذا الحياء لا يذهب بغير الوطئ بخلاف الزانية فإنها إذا لم تستح من مباضعة الرجال على الزنا والاقدام عليه لم تستح من النطق بالاذن