في صدقات النساء، فوالله لا يبلغني أحد زاد على مهر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جعلت الفضل في بيت المال، فعرضت له امرأة من قريش، فقالت كتاب الله أولى أن يتبع، إن الله يعطينا ويمنعنا ابن الخطاب، فقال: أبن، قالت: قال الله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الآية. فقال: فليضع الرجل ماله حيث شاء. وفى رواية كل الناس أفقه من عمر، فرجع عن ذلك، وروى أنه رضي الله عنه تزوج أم كلثوم بنت علي كرم الله وجهه وأصدقها أربعين ألف درهم.
وروى أن عبد الله بن عمر زوج بنات أخيه عبيد الله على صداق عشرة آلاف درهم، وتزوج أنس رضي الله عنه امرأة وأصدقها عشرة آلاف درهم، وتزوج الحسن عليه السلام امرأة وبعث إليها مائة جارية ومع كل جارية ألف درهم، ثم طلقها وتزوجها رجل من بنى تميم فأصدقها مائة ألف درهم، وتزوج مصعب ابن الزبير بعائشة بنت طلحة وأصدقها مائة ألف درهم.
قال الشافعي رضي الله عنه: والاقتصاد في المهر أحب إلى من المغالاة فيه لما روت عائشة أم المؤمنين عليها السلام ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أعظم النكاح بركة اخفه مؤنة. وروى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خيرهن أيسرهن مهرا. وروى سهل بن سنان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أصدق صداقا ونوى انه لا يؤديه لقى الله وهو زان، وإيما رجل ادان دينارا ونوى ان لا يؤديه لقى الله وهو سارق. والمستحب ان لا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته عليهن سلام الله ورحمته لما روي عن عائشة قالت: كان صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر أوقية ونشأ قالت والنش نصف أوقية، والأوقية أربعون درهما.
(فرع) ولو تواعدوا في السر على أن الصداق مائه، وعلى أنهم يظهرون للناس انه ألف كما يشيع ذلك في زماننا هذا فقد قال الشافعي رضي الله عنه في موضع: المهر مهر السر. وقال في موضع: المهر مهر العلانية. قال أصحابنا البغداديون ليست على قولين وإنما هي على حالين، فالموضع الذي قال المهر مهر السر، أراد إذا عقدوا النكاح أولا في العلانية بألف ثم عقدوا ثانيا في السر بمائه