فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثا).
كتب إلي سالم بن أحمد، قال: ثنا عبد الله بن سعيد الشنتجالي، ثنا عمر بن محمد السجستاني، ثنا محمد بن عيسى الجلودي، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا جرير - وهو ابن عبد الحميد -، عن منصور، عن هلال بن أساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: (خرجنا مع رسول الله من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء الطريق، تعجل قوم عند العصر، فتوضوا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء.
فأمر عليه السلام بإسباغ الوضوء في الرجلين، وتوعد بالنار على ترك الأعقاب).
فكان هذا الخبر زائدا على ما في الآية، وعلى الأخبار التي ذكرنا، وناسخا لما فيها، ولما في الآية، والأخذ بالزائد واجب.
ولقد كان يلزم من يقول بترك الأخبار للقرآن أن يترك هذا الخبر للآية، ولقد كان يلزم من يترك الأخبار الصحاح للقياس أن يترك هذا الخبر، لأننا وجدنا الرجلين يسقط حكمهما في التيمم، كما يسقط الرأس، فكان حملهما على ما يسقطان بسقوطه ويثبتان بثباته أولى من حملها على ما لا يثبتان بثباته، وأيضا فالرجلان مذكوران مع الرأس، فكان حملهما على ما ذكرا معه أولى من حملهما على ما لم يذكرا معه، وأيضا فالرأس طرف والرجلان طرف، فكان قياس الطرف على الطرف أولى من قياس الطرف على الوسط. وأيضا فإنهم يقولون بالمسح على الخفين، فكان تعويض المسح من المسح أولى من تعويض المسح من الغسل، وأيضا فإنه لو جاز المسح على ساتر للرجلين ولم يجز على ساتر دون الوجه والذراعين دل - على أصول أصحاب القياس - أن أمر الرجلين أخف من أمر الوجه والذراعين، فإذ ذلك كذلك فليس إلا المسح ولا بد، فهذا أصح قياس في الأرض لو كان القياس حقا (1).