وقيل عن مالك أنه لما قرأ الكتاب، قال: (سبحان الله، أو صار علم رسول الله يؤخذ بالوسائل).
فتهيبه الوالي أن يكلمه، ثم كلمه الشافعي، فرق له ووعده أن يأتي من بعد ليدرس عنده (1).
وقد طالت تلمذة الشافعي على يد مالك ما يقارب تسع سنين، ثم إن الشافعي أملق أشد الإملاق بعد موت مالك فرجع إلى مكة، وصادف ذلك أن قدم إلى الحجاز والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين، فأخذه الوالي معه، وأعطاه عملا من أعماله، وهي ولاية نجران.
ثم وشي به عند الرشيد بتهمة كونه ذا ميول علوية ويحاول الخروج على الحكم، فأرسلوه إلى بغداد مكبلا بالحديد، فتبرأ من تهمة انخراطه مع العلويين، وأكد إخلاصه للسلطة وشهد له صديقه محمد بن الحسن الشيباني - الذي كان قد تعرف عليه عندما كان يدرس عند مالك ثلاث سنين، - بأنه ثقة ومن أتباع الدولة، فخلى سبيله.
وبعد هذا توطدت علاقته وصلاته بالشيباني، فأخذ يدرس عليه آراء أبي حنيفة في الرأي والقياس. لكن الخطيب البغدادي يحدثنا عن اختلافهما في أهل البيت، فقال:
قال الشافعي: لم يزل محمد بن الحسن عندي عظيما جليلا، أنفقت على كتبه ستين دينارا حتى جمعني وإياه مجلس عند الرشيد، فابتدأ محمد بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين، إن أهل المدينة خالفوا كتاب الله نصا، وأحكام رسول الله (ص) وإجماع المسلمين.
فأخذني ما قدم وما حدث، فقلت: ألا أراك قد قصدت لأهل بيت النبوة ومن نزل القرآن فيهم وأحكمت الأحكام فيهم، وقبر رسول الله (ص) بين ظهرانيهم، عمدت تهجوهم، أرأيتك أنت بأي شئ قضيت بشهادة امرأة واحدة قابلة حتى تورث ابن خليفة ملك الدنيا ومالا عظيما؟