وكلامنا هذا عن الإمام لا يعني أنه كان شيعيا أو أن الإمام الصادق قد رضي عنه أو ترضى عليه، أو صحح رؤاه العقائدية والفقهية أو خذ عنه، بل نقول إن كثيرا من الطعن الذي لحقه كان بسبب بعض مواقفه المعارضة للحكومة والمؤيدة للعلويين وغيرهم من أعداء خط السلطة العقائدي الفقهي، بل إن أهل البيت كانوا لا يرتضون القياس ولا أحكامه المبتنية عليه.
قال الأستاذ عبد الحليم الجندي: لو كانت الحكومة تدرك بأن أبا حنيفة يعتنق مذهب التشيع لما تركته يلقي دروسه في الكوفة - مركز السنة - سنوات عديدة (1)!
وهناك نصوص حوارية كثيرة بين الصادق وأبي حنيفة تؤكد رفض الصادق لآرائه القياسية. وقد ألف علماء الشيعة وأصحاب الأئمة في رد القياس كتبا كثيرة، لكن المهم الذي نؤكد عليه هو دور السياسة في احتواء الفقهاء فكريا وسياسيا وبثهم الدعايات والتهم والشائنة ضد من لم يمكن احتواؤهم، بل إنهم قد جندوا الطاقات والعلماء الآخرين لكي ينسبوا إليهم ما لم يقولوه، أو لكي يحرفوه أو ليضخموه فيصبغوه صبغة هو بعيد عنها. وقد وقفت على دور أبي هريرة والسيدة عائشة وابن عمر والزهري وفقهاء المدينة السبعة في العهد الأموي. وعرفت شدة تأكيد الحكومة على الأخذ بأقوالهم. ومر عليك قول ابن عمر وإرجاعه الناس للأخذ بفقه عبد الملك بن مروان وتأكيد المنصور على الأخذ بفقه ابن عمر. وقد عرفت أن فقهاء الحكومة قبل مالك وأبي يوسف في العهد العباسي كانوا: ابن شبرمة وابن أبي ليلى - وقد بقيا إلى عهد متأخر، وإن الحكام أمكنهم تقريب أبي يوسف واستمالته للتأثير على معتنقي الحنفية، فكان أول من قلد منصب قاضي القضاة في الإسلام.
وقد صرح أكثر من واحد من المؤرخين أن أبا يوسف اختلف عن أستاذه في توليه المناصب العامة في الدولة العباسية لفقره خاصة) (2).