قياسا متشددا في الرؤية ولا يقبل الخبر إلا إذا رواه جماعة عن جماعة، أو كما يقول أصحابه: إذا كان خبر عامة عن عامة، أو اتفق علماء الأمصار على العمل به، إلا أنه قد طرح كثيرا من أحاديث السلطة وقبل أحاديث أخرى.
أما أصحابه فلم يتشددوا في قبول الرواية كما كان هو، فأبو يوسف - مثلا - قد أدخل في فقه أبي حنيفة أحاديث كثيرة، وهكذا كان شأن محمد بن الحسن الشيباني الذي لقي مالكا وقرأ الموطأ وتأثر به وطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة (1).
قال مالك بن مغول: قال لي الشعبي ونظر إلى أصحاب الرأي: ما حدثك هؤلاء عن أصحاب محمد فاقبله، وما خبروك به عن رأيهم فارم به الحش، قال:
إياكم والقياس فإنكم إن أخذتم به حرمتم الحلال وأحللتم الحرام (2).
وإن تضعيف البخاري وابن الجوزي وابن عدي وغيرهم من المحدثين والرجاليين لأبي حنيفة دليل على مخالفته لنهج الحكومة وذهابه إلى آراء لا يستسيغها الحكام، فنسبوا إليه آراء يدل التتبع والتحقيق على أنه لم يقلها، منها:
ما رواه الترمذي من رواية عبد الحميد الحماني أن أبا حنيفة قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي ولا أفضل من عطاء.
فلو صح هذا النقل عنه، فكيف نرى اسم الجعفي في ضمن أسماء مشايخه؟ وقد ورد اسمه كثيرا في أسانيده، وكيف ينسب إليه: ما سألت جابر الجعفي عن مسألة قط إلا أورد فيها حديثا.
وكيف يصح القول بكذب الجعفي ونرى كبار التابعين يوثقونه كسفيان الثوري وزهير وشعبة ووكيع وغيرهم.
وقد جاء في جامع أسانيد أبي حنيفة عن زهير أنه قال: إذا قال جابر بن يزيد الجعفي: حدثني أو سمعت.. فهو من أصدق الناس (3).