ولما قتل إبراهيم بن عبد الله أرسل برأسه إلى أبيه مع الربيع وهو في السجن.
وكان أبوه عبد الله يصلي، فقال له أخوه إدريس: أسرع في صلاتك يا أبا محمد، فالتفت إليه وأخذ رأس ولده، وقال: أهلا وسهلا يا أبا القاسم، والله لقد كنت من الذين قال الله عز وجل فيهم: الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل...
فقال له الربيع: كيف أبو القاسم في نفسه؟
قال: كما قال الشاعر:
فتى كان يحميه من الذل سيفه * ويكفيه أن يأتي الذنوب اجتنابها ثم التفت إلى الربيع فقال: قل لصاحبك قد مضى من يومنا أيام والملتقى القيامة؟
فمكثوا في ذلك السجن، لا يعرفون أوقات صلاتهم إلا بأجزاء من القرآن.. حتى كانت نهاية أمرهم أن أمر المنصور بهدم السجن على الأحياء منهم (1) ليذوقوا الموت من بين ألم القيود وثقل السقوف والجدران. وكان منهم من سمر يديه بالحائط، ولما خشي المنصور عاقبة فعله مع أبناء الحسن قام خطيبا بالهاشمية بلسان سياسي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أهل خراسان أنتم شيعتنا وأنصارنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيرا منا، وإن ولد ابن أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو فلم نعرض لهم بقليل ولا بكثير.
إلى أن يقول:
ثم وثب بنو أمية علينا فأماتوا شرفنا وأذهبوا عزنا والله ما كانت لهم عندنا ترة يطلبونها، وما كان ذلك كله إلا بسببهم وخروجهم - يعني العلويين - فنفونا من البلاد فصرنا مرة بالطائف ومرة بالشام ومرة بالسراة حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا...
ونحن لا نريد مناقشة هذه الخطبة وغيرها ونضع النقاط على الحروف بل نريد أن نعكس لهجة المنصور لإرضاء أنصاره وخشيته من إنكارهم عليه.
وينقل جعفر بن محمد الصادق نصا آخر، نرى فيه صورة أخرى عن ظلامة