علي من بعده...
فالمنصور إذ أراد أن يغير هذه الأصول ركز في جوابه لمحمد على قضايا:
1 - نفي كون النفس الزكية هو ابن رسول الله لقوله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم بل هو ابن بنت الرسول، وأن هذه النسبة لا تجوز الميراث ولا تورث الخلافة بل لا تجوز لها الإمامة.
2 - ثم ذكر المنصور في جوابه لمحمد أمرا آخر وهو: أن المسلمين اختاروا أبا بكر وعمر وعثمان خلفاء دون علي بن أبي طالب، ليرغم بقوله هذا أنف محمد وغيره من الطالبيين، وقوله: (دون علي) إشارة إلى دور الحكومة العباسية في إبعاد علي ونهجه وعدم اعتباره حتى رابعا من الخلفاء الأربعة.. إلى أن اعتبر كذلك في عهد أحمد بن حنبل، وتقريب الشيخين وعثمان بل كل الصحابة والسير على نهجهم دون علي (ع).
فالحكومة الأموية قد رجحت من قبل عثمان على سائر الخلفاء الراشدين لكونه منهم، فقربوا نهجه وأبعدوا نهج علي لبغضهم إياه، فانحسر فقه علي وخط السنة آنذاك. وعندما تسلم العباسيون زمام السلطة احتضنوا نهج الشيخين، وأبعدوا عثمان بغضا للأمويين، وعليا بغضا للعلويين، فبقيت السنة النبوية (نهج علي) في اضطهاد طيلة فترة الحكمين الأموي والعباسي.
3 - ويفهم من رسالته وأصول سياسته أنه رأى من الضروري الاستعانة بالفقهاء وتقريبهم إليه، لاكتساب الشرعية والوقوف على المبررات والحلول في المواقف الحرجة، إذ أنه بتقريبه الفقهاء والعلماء قد جمع في قبضته بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد.
ولا غرابة في أسلوب المنصور هذا - وهو الداهية - وفي كيفية استغلاله للشريعة، وقد كانت هذه هي سيرة أغلب الحكام من قبله، إذ كانت الاستعانة بالشريعة خير طريقة للتعرف على مخالفيهم وخصومهم، وقد مر عليك سابقا كيفية تشخيص ابن أبي سرح - والي عثمان على مصر - لمحمد بن أبي حذيفة على أنه من مخالفي عثمان وذلك على أثر تكبيرة الأحرام أو الجهر بالقراءة والبسملة.
وقد عرفت أن الصحابة كانوا يعترضون على هذه السياسة، وقد أرسلوا وفدا