وقد ثبت في علم الاجتماع أن الخلاف بين الأقارب - سواء في العقيدة أو النسب - يكون أكثر وضوحا من الخلاف بين الأباعد، فلو لحظنا - مثلا - الخلاف بين الشيعي والسني - في العقائد وغيرها - لرأيناه يشغل كثرا من وقت المسلمين، مع تقارب نظرهم واستقائهم من أصول واحدة واتحادهم في كثير من الميادين والأصول، في حين لا نرى مثل هذه المواجهة بين المسلم وبين اليهودي أو المسيحي مع اختلافهم معهم في أكثر من أمر، وهكذا الأمر بالقياس إلى الخلاف النسبي بين الأقارب، فإن الخلاف بين الأخوة وبين الأعمام تظهر ملامحه سريعا على عكس الخلاف بين الأباعد. ولما كان الفقه الزيدي يستوحي فقهه من العترة وأن الإمام جعفر بن محمد الصادق هو ابن أخ الإمام زيد بن علي، فإن المندسين بين صفوف الزيدية يسعون لتكدير الموقف بين الزيدية والجعفرية عن طريق رفع مستوى التوقعات وطرح بعض الشبهات، ليبعدوا أنظار الزيدية عن أعلام الطالبيين في المدينة، حتى يسهل الالتفاف عليهم لاحتوائهم فكريا.
وتبين بهذا أن القريب دوما يتوقع من قريبه - أكثر من البعيد أو المختلف معه - أن يؤازره وينصره، وأن يسير معه، وحينما لا يلمس هذا التعاون - رغم ما بهذا من مسوغات وأدلة - نراه يبتعد شيئا فشيئا عن قريبه، ولربما بلغ به الأمر أن يجعله في ضمن أعدائه ومناوئيه، وخصوصا إذا لحظنا بعد المسافة بين الكوفة والمدينة ووجود أعلام كالإمام أبي حنيفة في الكوفة!
ولأجل كل هذا، نرى بصمات الفقه الحنفي ظاهرة على الفقه الزيدي، ويمكننا أن نعد أكثر من ثلثيه مأخوذا عن الإمام أبي حنيفة، وقد أكد هذه الحقيقة الشيخ محمد بخيت - مفتي الديار المصرية في أوانه - في تقريظه لمسند الإمام زيد بن علي، بقوله:
أما بعد، فإني اطلعت على هذا المجموع الفقهي الذي جمعه الإمام عبد العزيز بن إسحاق، المنسوب بالسند الصحيح إلى الإمام الشهيد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه، صهر الرسول وزوج البتول بضعة الرسول (ص)، وقرأته على راويه حضرة الأستاذ الشيخ