قربانا للسلطان، وصاروا يدعون ما ليس لهم، فنرى الأحكام الإلهية في عهدهم تأخذ طابعا سياسيا ويستخدمون الدين ضد الدين كما عهدناه سابقا في الحكم الأموي، فتتأصل فيه آراء فقهية وترى وضع الأحاديث ينساب ويتتالى تقربا إلى السلطان، وأن القارئ سيقف على بعضها، حينما يقتضي السياق بيان ذلك.
وسنبين حال الوضوء في هذا العهد وهل تأثر بالسياسة أم بقي بعيدا عن المجريات الحكومية؟ وذلك بعد تقديمنا عرضا تاريخيا للعهد العباسي الأول، ودور الحكام في حدوث المذاهب الفقهية ودعمهم لها، وما أصاب العلويين من الظلم، وإنه كان أضعاف ما أصابهم في عهد الأمويين، حتى قال الشاعر:
فليت ظلم بني مروان دام لنا * وليت عدل بني العباس في النار وكذلك:
تالله ما فعلت أمية فيهمو * معشار ما فعلت بنو العباس ولعل فيما عرضناه ما يساهم في معرفة واقع الأمة الاجتماعي والسياسي، ويوقفنا على ملابسات اختلاف المسلمين في الأحكام الشرعية.
وإن الخوض في مثل هذه البحوث من شأنه أن يقدم للفقيه والمحقق الباحث ومن يهتم بمسائل الخلاف بين المسلمين وغيرهم رؤية دقيقة وتكشف عن أمور لم تدرس من قبل في مجال الفقه والشريعة، مع أنها بحوث كانت جديرة بالدراسة قبل اليوم، وخصوصا في الفروع الفقهية المختلف فيها بين الأمة. وإن محاولتنا في الوضوء هي خطوة أولية في هذا الباب، نأمل أن تتبعها محاولات أخرى من قبل الأعلام.
وإذ كانت هذه المحاولة - التي قدمناها في الوضوء - هي حديثة عهد ولم يقدم فيها نموذج تطبيقي لحد الآن، كان التفصيل في بعض المجالات وخصوصا تاريخ حدوث المذاهب وبيان أسباب اختلاف المسلمين ضروريا في غاية الضرورة، إذ لا يعقل أن يختلف المسلمون إلى هذا الحد في بيان حكم الله الأحد، والمنزل في الكتاب المتفق عليه عند الجميع، والمبين من قبل الرسول المعروف عند الجميع إمكان تصحيح كل النقولات عنه (ص) وذلك لإيماننا: