ففي الجملة الأخيرة إشارة إلى أن يحيى بن عبد الله وغيره من أهل البيت كانوا لا يرون مشروعية الصلاة خلف الذي يمسح على الخفين، وكذا لا يرون الاقتصار على التكبيرة الرابعة في صلاة الميت. وإذا ظهر منهم ما يخالف مذهبهم فإنما جاء امتثالا لأمر الرسول (ص) بلزوم الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي وعدم الانشغال بجزئيات الشريعة، ولا يدل موقفهم ذلك على كون هذا الفعل المأتي به هو سنة رسول الله!
نعم، إن أبا الحسن بن صالح بن حي كان يريد بث الفرقة في صفوف أصحاب يحيى وإثارة المشاعر بقوله: (علام نقتل أنفسنا مع رجل لا يرى الصلاة معنا، ونحن عنده في حال من لا يرتضى مذهبه؟) فالإمام يحيى لا يرتضي الصلاة خلفه لعدم رعايته لحقوق الإمرة والأخوة وسعيه في بث الفرقة بين المجاهدين.
وقد استغل أبو الحسن بن صالح الخلاف المذهبي في إثارة هذه النعرة بين صفوف الثوار، وهو ما كان يسعى إليه الحكام ويبذلون من أجله الأموال.
وحكى يحيى بن عبد الله نصا آخر عن دور ابن حي التخريبي في صفوف الثوار، فقد جاء في مقاتل الطالبيين:
(... وأهديت إلي شهدة في يوم من الأيام، وعندي قوم من أصحابي فدعوتهم إلى أكلها، فدخل (ابن حي) في إثر ذلك، فقال: هذه الأثرة! أتأكله أنت وبعض أصحابك دون بعض؟!
فقلت له: هذه هدية أهديت إلي وليست من الفئ الذي لا يجوز هذا فيه.
فقال: لا، ولكنك لو وليت هذا الأمر لاستأثرت ولم تعدل.
وأفعال مثل هذا من الاعتراض (1)).
وجاء في مقاتل الطالبيين كذلك: إن إدريس بن عبد الله بن الحسن أفلت من وقعة فخ وكان الرشيد يتابع خبره، فلما بلغه أنه قدم مصر متوجها إلى إفريقية غم كثيرا لعدم إمكانه القبض عليه، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد، فقال: أنا أكفيك أمره، ودعا سليمان بن جرير الجزري، وكان من متكلمي الزيدية البترية، ومن